الثابت والمتغير في تنصيب حكومة سعد الدين العثماني بين إشكالية الوجود وآفاق النجاح

بقلم : عبد الواحد أولاد ملود

   يعد دستور سنة 2011 بمثابة خارطة طريق خولت المغرب نهج مجموعة من الإصلاحات الدستورية قصد الرقي لتطلعات مستقبلية مهمة، فبدخول الدستور الجديد حيز التنفيذ انتقل المشهد السياسي المغربي إلى مستوى الارتقاء بمؤسسات سياسية أبرزها مؤسسة السلطة التنفيذية (الحكومة) حيث أصبح لذى الوزير الأول طابع رئيس الحكومة والذي خُولت له مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات مقارنة بالدساتير السابقة للمملكة المغربية. كما أن هذا الأخير (رئيس الحكومة) يعينه الملك من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.
فمنذ أن تم التنصيص على الدستور الجديد للمملكة وإلى وقتنا الحالي تعاقب على المشهد السياسي للمغرب ولايتين تشريعيتين كانت أولها بعد انتخابات 25 نوفمبر 2011، وثانها ابتدأت بعد اقتراع السابع من أكتوبر الماضي ولا زالت مستمرة، حيث تخللت هاتين المرحلتين مجموعة من التحولات أبرزها بروز ما يعرف بالربيع العربي وإقحام المغرب ضمن منحى مسار التغيير في ظل الاستمرارية()… بعد أن شهدت أغلب الدول العربية مسارين تجلى أولهما في مسار التغيير السلمي على غرار تونس ومصر،و يتمثل المسار الثاني في مسار التغيير الجدري وهو ما عرفته ليبيا واصطفت في هذا المسار دول أخرى كاليمن وسوريا ويمتاز بالتعقيد والتشابك….
كما أن الولاية التشريعية الأولى امتازت بتصدر حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية على إثرها تم تعيين الأمين العام للحزب السيد عبد الإله بنكران رئيس للحكومة حيث عرفت هذه الفترة مجموعة من التناقضات الحزبية أهمها انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية الحكومية وعُوًض بحزب التجمع الوطني للأحرار… في حين استمر حزب العدالة والتنمية تصدر نتائج الولاية التشريعية الثانية ونزولا عند المقتضيات الدستورية تم تعين الفائز من الحزب الذي يتصدر الانتخابات ليتم إعادة تعيين السيد عبد الإله بنكران لولاية ثانية لكن هذا الأخير لم يستطع تكوين أغلبية حكومية، ليتم إعفاءه ويحل محله شخص آخر من نفس الحزب ( حزب العدالة والتنمية) وهو السيد سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة التي نصبت فعليا بمصادقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي الذي حظي بثقة 208 نائبا ومعارضة 91 نائيا فيما امتنع 40 نائبا عن التصويت، وبالتالي يكون المجلس قد منح ثقته للحكومة الجديدة بناء على ما ينص عليه الدستور في فصله 88 بالتأكيد على انه “تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس ألنواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي.
لكن تبعات هذا التشكيل الحكومي قد ترخي بثقلها على المنظومة السياسية المغربية، إذ أن طابع الخلل السياسي قد يستأنف التربع على الساحة السياسية من جديد وفق أطروحتين أساسيتين:
تتجلى الأطروحة الأولى في شكل وطبيعة البرنامج الحكومي المصاغ من الكتلة الحكومية وصعوبة تفعيله على أرض الواقع كمثيله من البرامج الحكومية السابقة، حيث أن البرنامج يقر خلال الخمس سنوات المقبلة بمعدل نمو يناهز 5,5 بالمئة ويبقى صعب المنال نظرا للظرفية الاقتصادية التي تمر بها المملكة وطبيعة التشكيلة الحكومية الهشة والتي قد تتفتت في أي لحظة.
في حين تنبني الأطروحة الثانية على إفرازات تشكيل الحكومة وما تركته من انقسامات بدأت تتضح معالمها داخل هياكل الأحزاب السياسية خاصة حزب العدالة والتنمية الذي تصدر نتائج الانتخابات، والذي أكد رئيس الحكومة المنبثق من هذا الحزب استعداده للعودة لصف المعارضة إن تم تأييد الأمر من الأمانة العامة للحزب… وهنا نقف أمام عدة تناقضات أبرزها:
كيف نتحدث عن الشرعية السياسية للأحزاب السياسية بالمغرب في مرحلة يتم تغليب المصلحة الحزبية (المصلحة الذاتية) على المصلحة الوطنية للبلاد؟
عدم قدرة الأحزاب السياسية على تجاوز التشرذم الحزبي من ناحبة واستمرار هيمنة الأحزاب المخزنية على سكة المشهد السياسي المغربي من ناحية أخرى في الوقت الذي ننادي فيه بضرورة القطيعة مع جذور التحكم.
عن أي إرادة شعبية نتحدث في المغرب في الوقت الذي تصطدم فيه هذه الشرعية بعزوف سياسي وعدم إمكانية أي حزب من الهيمنة على صناديق ألاقتراع، بل أكثر من هذا لا يكفي لتشكيل الكتلة الحكومية حزبين أو ثلاثة أحزاب وإنما من الضروري اعتماد القطب الخماسي أو السداسي لتشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى غياب شرعية تنزيل الوعود الانتخابية، الأمر الذي يزيد فقدان الثقة للناخب المغربي اتجاه النخب السياسية التي تبقى حاطب ليلي فقط.
لقد أصبح من المؤكد أن المشهد السياسي للمغرب تشوبه عدة اختلالات ربما ستزيد في تأزم ارتباط المواطن المغربي بشرعية الأحزاب السياسية، والتي يطرح من خلاله تساءل عميق حول هل أن هناك أصلا شرعية تطف الشرعية على الطابع الحزبي المغربي؟، ولا يمكن استيعاب خطابات بعض الأحزاب التي تنادي بسن ملكية برلمانية في المغرب في غياب الشرطين الأساسيين لذلك وهما:
فشل مشروعية الأحزاب السياسية في المغرب
عدم قدرة المجتمع المدني على الرقابة والترافع
وهنا نجزم بأن هيكل النخب السياسية المغربية يلزمها إعادة الترميم، في حين تبقى مسألة الملكية الدستورية من البديهيات في ظل تغليب المصلحة الذاتية للأحزاب السياسية على المصلحة الوطنية، لأن الملكية الدستورية هي السبيل الوحيد للمواطن المغربي لخلق نوع من التوازن على مستوى مقومات الدولة المغربية.

شاهد أيضاً

“آخر المعجزات” نص مفتوح

عبده حقي أتجول بين كروم الوجود المتشابكة، حيث تتشبث المعجزات بحواف الواقع مثل الندى على …