برنامج عبور من دولة نامية إلى دولة صاعدة

بقلم : حسن عبيابة
قدم رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، البرنامج الحكومي أمام أعضاء مجلسي البرلمان، يوم الأربعاء الماضي، وفقا للمساطر الدستورية تمهيدا لبداية فعلية لولاية حكومية جديدة، نتطلع إليها جميعا أحزابا ونقابات ورجال أعمال ومجتمعا مدنيا وفئات اجتماعية وجهات، من أجل أن تكون ولاية تعكس انتظارات المغاربة المشروعة إلى تحقيق رؤية اقتصادية صاعدة تحقق النمو الاقتصادي والتنمية المجالية.
 ويكون الاقتصاد قائما على التنافس الحروالمبادرة الحرة وجسرا لتحقيق التنمية الشاملة التي توفر شروط الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
فالبرنامج الحكومي من حيث محاوره الأساسية ومضامينه وأهدافه المختلفة، يعتبر برنامجا واعدا لدولة صاعدة ولعبور من اقتصاد نامٍ إلى اقتصاد صاعد، يطمح إلى منافسة الاقتصاديات الصاعدة في العالم.
وهو برنامج يغطي كما هو مقرر في الديباجة خمس سنوات، في وقت نعلم جميعا أن اقتصادنا الوطني هو اقتصاد قائم على المنافسة والتحفيز وإنتاج الثروات والتشغيل، وهذا بالنسبة لنا كحزب ليبرالي هو جزء رئيسي من برنامج الاتحاد الدستوري، الذي نؤمن به وندافع عنه منذ تأسيس الحزب، خيار استراتيجي وحيوي لجعل اقتصادنا الوطني يمتلك كل مقومات القوة والانتشار والتوسع والقدرة على المنافسة، علما بأن المشاريع والأوراش الاقتصادية والتنموية الكبرى التي يشرف عليها جلالة الملك نصره الله قاعدة لاقتصاد متطور عابر للدول الإفريقية وغيرها.
إذن هذا البرنامج يأتي في سياق تطورات مهمة وواعدة عرفها المسار الاقتصادي للمغرب، برغم التحديات التي ما زالت تواجه الاقتصاد الوطني، على مستوى تدبير اختلالات المالية العمومية والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، وتوسيع دائرة الاستثمار وتوفير فرص الشغل.
 ومن ثم نعتقد أنه لكي يطبق هذا البرنامج لا بد للحكومة من توفير ثلاثة شروط لتنزيله:
أولا: توفير موارد مالية مهمة إضافية وكافية لإنجاز البرنامج الحكومي في آجال محددة.
ثانيا: اعتماد حكامة مالية رشيدة  من أجل تجاوز الهدر المالي وتقنين السياسات المالية والحكامة الضريبية بما يمكن من توفير موارد مالية جديدة.
ثالثا: إيجاد آليات تنفيذية إدارية ولوجيستيكية لإنجاز هذا البرامج، وبدون ذلك سيبقى البرنامج معلقا، ولن تتمكن الحكومة من تنفيذه بالشكل المطلوب.
فالبرنامج من خلال محاوره ومضامينه وأهدافه يبقى برنامجا واعدا، ومن ثم فإن النجاح في تنفيذه بشكل سليم وصحيح، وفي ظل مناخ من الانسجام والتضامن الحكومي والتوافق التام بين مكونات الحكومة، سيكون إنجاحا للمسار الحكومي، باعتباره برنامجا ملهما وقويا وواعدا بما يشتمل عليه من محاور رئيسية كالمحور السياسي والمحور الاقتصادي  والمحور الاجتماعي إضافة إلى كونه مليئا بالمؤشرات والتوقعات التي تعكس الرغبة والإرادة القوية لدى الحكومة  في الارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى مستويات أعلى من النمو تصل ما بين 4.5 و5.5 في المائة.
لكننا من جهة أخرى ندعو الحكومة صادقين إلى توفير شروط هذا الإنجاز التي ستساعدها على تنفيذ هذا البرنامج، والتي تتمثل أساسا في مسألة التدبير والتي في اعتقادنا تتطلب ثلاثة أنواع من التدبير وهي :
*التدبير الإداري وذلك عن طريق إصلاح الإدارة ومعالجة الأعطاب التي ما زالت تعاني منها، وهذا ورش يجب أن ننتهي منه بسرعة لكي تستفيد التنمية بمختلف مستوياتها من هذا الورش الوطني، الذي دشنه خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان لهذه السنة.
* التدبير المجالي والذي في نظري مرتبط أشد الارتباط بالجهات، بالنظر إلى أن المجالات الجغرافية المتنوعة والموزعة على 12 جهة، بحاجة إلى  تنمية مجالية حقيقية بتنسيق مع الدولة المركزية والجهات وعبر توفير موارد كافية، لسد الخصاص الكبير الذي ما زالت بعض الجهات تعاني منه في المجال التنموي.
* التدبير السياسي وهو المتعلق بكيفية تدبير المرحلة الحالية بما عرفته من تجاذبات سياسية وفكرية من خلال النقاش العمومي والحراك الاجتماعي، وهذا في اعتقادي هو الأهم لارتباطه بإشكالية تدبير العلاقة التواصلية مع الرأي العام وكذا تدبير الحوار الاجتماعي والتعامل مع الحراك الاجتماعي المستمر بايجابية وتواصل دائم. وهنا يجب على أعضاء الحكومة التواصل مع مكونات المجتمع وعدم الاقتصار على العمل المكتبي.
 وهذه العملية تهم الوزراء ذوي الخبرة السياسية لأن كثيرا من القضايا قد تحل بالحوار والإقناع ولا تحل بالقرارات الإدارية. ومن هنا تتضح أهمية الفاعل السياسي داخل الحكومة.
هذا الخصاص الكبير نعتقد أنه يجب على الحكومة الحالية التفكير بطريقة منهجية وجدية ومتواصلة لمعالجته، من خلال فتح قنوات الحوار المختلفة بين أعضاء الحكومة ومختلف الأطراف المجتمعية سياسة واقتصادية ونقابية ومدنية وحقوقية وشبابية ونسائية، وعدم التهيب أو التخوف من إجراء حوارات مطولة معها باعتبارها تشكل عصب الرأي العام، لإقناعها بالبرنامج والسياسة الحكومية، وبطبيعة الاحتياجات والإمكانيات المتوفرة.

شاهد أيضاً

“آخر المعجزات” نص مفتوح

عبده حقي أتجول بين كروم الوجود المتشابكة، حيث تتشبث المعجزات بحواف الواقع مثل الندى على …