بِسْم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
الأخ رئيس المجلس الوطني، الإخوة والأخوات أعضاء الأمانة العامة، الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني المحترمين، الحضور الكريم
ينعقد مجلسنا الوطني بعد أيام من العودة المظفرة للمغرب إلى بيته الإفريقي من الباب الواسع كما قال جلالة الملك، عودة المغرب بنموذجه الديمقراطي والتنموي الاستثنائي، عودة المغرب برؤية استراتجية رائدة، لربح رهانات التنمية والأمن والديمقراطية بإفريقيا دون تبعية أو وصاية.
لقد عشنا وعاش المغاربة قاطبة لحظة تاريخية مليئة بالاعتزاز والفخر ونحن نتابع استعادة المغرب لمقعده بالاتحاد الإفريقي بعد أن تجاوبت معظم الدول الافريقية مع الطلب المغربي، والاستقبال الكبير الذي حظي به جلالة الملك في القمة الافريقية.
لقد توجت هذه العودة مسار عمل كبير في العمق قاده جلالة الملك حفظه الله، حيث عمل المغرب بعد انسحابه من منظمة الوحدة الافريقية، عندما انحرفت عن مسارها، على توطيد علاقات التعاون وفق مقاربة تحترم الدول الافريقية والإنسان الإفريقي، علاقات اقتصادية وثقافية وإنسانية وروحية عميقة ومثمرة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لذلك احتضنت افريقيا المؤسساتية المغرب بكل تلقائية .
الاخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني
إننا نجتمع كذلك اليوم بعد سنة متميزة وحافلة على المستوى الوطني مليئة بالأحداث والتفاعلات والمحطات السياسية الكبرى في مسار تكريس الخيار الديمقراطي وتعميق الإصلاحات ومواصلة أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
لقد حقق حزبنا خلال هذه السنة نصرا انتخابيا متميزا أكد ما سبق أن حصل عليه الحزب من تقدم معتبر في الانتخابات الجماعية.
ففي هذه السنة تفاعل الناخبون مع دعوة الحزب ومناضليه من أجل وضع اليد في اليد لمواصلة الاصلاح فبوؤوه الصدارة بفارق معبر، كما عرفت الحملة الانتخابية للحزب والمهرجانات التواصلية التي نظمها تفاعلا منقطع النظير يدل على فشل كل حملات التضليل والافتراء والتبخيس التي لم تتوقف طيلة السنوات الخمس للولاية الحكومية السابقة.
وهي مناسبة لتوجيه التحية والشكر لكل الذين دعموا حزب العدالة والتنمية، وتجديد العزم على أننا لن ندخر جهدا في مواصلة النضال والصمود من أجل تثمين تصويتهم والدفاع عن اختيارهم والاستجابة لانتظاراتهم.
لكن ما هو أكبر من هذه النتائج الدالة والمعبرة، وما هو أكبر من تجديد الثقة في الحزب وفي أدائه المتميز على المستوى الحكومي، وفي منتخبيه على مستوى الجماعات الترابية، إنه التصالح التدريجي للمواطنين مع السياسة متابعة واهتماما ومشاركة وتفاعلا، مما يعبر عن الثقة في الدور الإيجابي للحزب في المساهمة في الإصلاح في إطار الاستقرار وعن تثمين تجربته الحكومية والجماعية، وتقديرا واعيا من شريحة عريضة من المواطنين لحجم الصعوبات والإكراهات والفرص التي تحيط بعملية الإصلاح.
وإن ذلك لم يكن ممكنا لولا شعور المواطنين بسريان روح جديدة وبروز نموذج منتج في العمل السياسي.
الاخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني
نجاحاتنا المضطردة تؤكد أن الأمر لا يتعلق بحدث عارض، وفي نفس الوقت فهي ليست مكسبا نهائيا غير قابل للزوال والتراجع، هي مرتبطة بوفائكم للقيم والثوابت والمؤسسات التي يجتمع عليها المغاربة وباستقامتكم ومصداقيتكم وبقربكم من المواطنين، وما دمتم على هذا الوفاء وتلك الاستقامة وتلك المصداقية وكانت هي الغالب فيكم فإنكم ستظلون ملء قلوب وأفئدة الناس.
نجاحكم هو نجاح لمنهج واختيار في العمل السياسي سعى ويسعى لإقامة معادلة صعبة ظلت مختلة في تاريخنا السياسي الحديث، وهي التمسك بالدعوة الى الاصلاح والتغيير في ظل الاستقرار والتعاون بين مختلف القوى الحية للوطن بقيادة المؤسسة الملكية.
وسنبقى أوفياء لهذا المنهج القائم على النضال من أجل الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي والتصدي لكل أشكال الفساد والإستبداد، الذي سعى ويسعى للوقيعة بين القوى الوطنية الإصلاحية الوفية للمشروعية ولمؤسسات وثوابت الأمة.
لقد التزم الحزب بهذا الخط بكل شجاعة ومسؤولية خلال الربيع العربي، حين رفض عن وعي الانسياق مع الموجة والخضوع لإغراء الاحتجاج غير المحسوب العواقب من خلال رفعه لشعار الاصلاح في إطار الاستقرار، وواصل ويواصل مع شرفاء هذا الوطن هذا الخط الذي يجعل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
وهو ما يجعلنا نعتز في حزب العدالة والتنمية أننا تمكنا مع حلفائنا في الأغلبية الحكومية وبفضل حكمة وتبصر جلالة الملك حفظه الله وبقيادته من المساهمة في إشعاع المغرب وتعزيز تميزه كبلد مستقر وآمن يتقدم في مسلسل الإصلاح ويتمكن من جلب استثمارات نوعية وضخمة ويهتم بفئاته ومجالاته المهمشة.
نعتز في حزب العدالة والتنمية أننا تمكنا مع حلفائنا في الأغلبية الحكومية من إنجاز إصلاحات هيكلية كبرى كانت معطلة ومؤجلة، كإصلاح منظومة العدالة وإصلاح صندوق المقاصة وإنقاذ صندوق التقاعد والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
نعتز أننا تمكنا من تطبيق قرارات يفرضها الدستور والقانون كاعتماد التوظيف بالمباراة والشفافية في الولوج إلى مناصب المسؤولية وربط الأجرة بالعمل وإنهاء فوضى الإضرابات العشوائية وغير المبررة.
نعتز أننا تمكنا من الاهتمام بالفئات المهمشة والمحتاجة بإجراءات اجتماعية ملموسة ومباشرة كدعم الأرامل وتقليص ثمن الأدوية والزيادة في المنح الجامعية والزيادة في الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى للتقاعد ومشروع استفادة الوالدين من التغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل.
نعتز أننا تمكنا من الاهتمام بالمقاولة الوطنية وتحسين مناخ الأعمال وإنقاذ المقاولات الوطنية وأداء ديونها وإعطاءها الأولوية في الصفقات العمومية ودعم المقاولات المتوسطة والصغرى.
نعتز أننا تمكنا من إنقاذ المالية العمومية من العجز والارتهان للخارج واستعادة التوازنات الكبرى الاقتصادية والمالية وإنعاش الإستثمار العمومي.
نعتز أننا تمكنا من إعادة الاعتبار للصناعة والتصنيع وإحداث صندوق لدعم الاستثمار الخاص والتصنيع.
الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني
لقد شهدت السنة المنصرمة أمورا مشرقة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا وفي مشهدنا السياسي، حيث ارتفعت مناعة المواطنين ووعيهم ضد الأساليب التي سعت للتأثير في إرادتهم وتوجيه اختياراتهم.
وهو دليل على حدوث تحولات إيجابية وكبيرة في طور التبلور داخل مجتمعنا وأن البعض لم يدرك أن زمن التوجيه والتأثير في اختيارات المواطنين قد ولى من خلال أدوات الضبط التقليدية. لم يدرك البعض كذلك مدى ارتفاع مستوى وعي المواطن وسهولة تداول المعلومة والصعوبة المتزايدة في ضبطها أو توجيهها.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا في وعي المواطن الذي هو أساس مهم من أسس التطور الديمقراطي للمجتمع، حيث أصبح المواطن حريصا ومتابعا لمصير صوته كما يدل على ذلك تتبعه لتفاصيل ويوميات مشاورات تشكيل الحكومة.
ومن الأمور المشرقة كذلك حرص جلالة الملك على تقديم نموذج حي في احترام الدستور وتفعيل مقتضياته من خلال تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة تفعيلا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور وقطعا حاسما منذ وقت مبكّر لكل التأويلات التى راجت قبل وبعد الانتخابات.
وفي المقابل فقد اتضح مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات أن بعض الجهات الحزبية التي خسرت الانتخابات لم تسلم بالهزيمة كما تقتضي ذلك القواعد الدستورية والتقاليد والثقافة الديمقراطية، وتداعت على مايبدو إلى اجتماعات حاولت اقتراح تخريجات غير دستورية تقطع الطريق على تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيساً للحكومة باعتباره الحزب المتصدر والاتفاق المسبق على تكوين أغلبية نيابية بعيدا عن المنطق الدستوري والذي يقتضي تسهيل مأمورية الحزب المتصدر للانتخابات بدل اللجوء إلى أساليب غير دستورية لعرقلة وتأخير تشكيل الحكومة.
لقد شرعتُ مباشرة بعد تعييني من طرف جلالة الملك رئيسا للحكومة في عقد لقاءات مع الأحزاب المختلفة لاستطلاع رغبتها وتصورها للمشاركة وأعطيت الأولوية في ذلك لأحزاب الاغلبية السابقة.
غير أن عملية تشكيل الحكومة لم تتقدم كما كان يفترض، حيث بدأت تظهر في كل مرة عدة اشتراطات جديدة. ثم جاءت بعد ذلك التصريحات حول الجارة موريتانيا، مما عالجه الحزب بموقف راشد يراعي طبيعة علاقاتنا مع حزب الاستقلال ويستحضر المصلحة العليا للوطن.
وهنا لابد من الإشارة إلى المواقف المتناقضة والمتقلبة للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، والذي وفي الوقت الذي عبر فيه في البداية عن استعداده لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة، انخرط بعد ذلك في سلسلة من الاشتراطات والتناقضات.
ثم انزلق بعد ذلك نحو مهاجمة حليف مبدئي للعدالة والتنمية هو التقدم والاشتراكية والذي صمد في وجه الاستهداف وعبر عن مواقف مشرفة لمصلحة التطور الديموقراطي، ولجأ إليه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي نفسه غير ما مرة خلال مسار المشاورات الحكومية.
وأذكر بالمناسبة ونحن نتحدث عن مسار تشكيل الحكومة، كيف كان تعاملنا مع الدعوة إلى تشكيل هياكل مجلس النواب كي يتمكن البرلمان من المصادقة على مشروع القانون الذي يصادق بموجبه على القانون التأسيسي للإتحاد الافريقي، حيث لم يتردد حزبنا في الإسهام في هذه اللحظة الوطنية، ولم يدخل في حسابات صغيرة بل وضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، وانخرط بقوة في هذه اللحظة وراء جلالة الملك لاستعادة مكانة المغرب في الاتحاد الافريقي.
ولا يفوتنا هنا أن نؤكد أن حزب العدالة والتنمية كان دائما وسيبقى وفيا لشعار الوطن أولا.
الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني
إن الرأي العام وهو يتابع بدقة مختلف مراحل التشاور يشهد على مواقفنا الإيجابية ويعلم أنني حرصت شخصيا وحرص حزب العدالة والتنمية وقيادته على تكوين حكومة تكون في مستوى
تطلعات جلالة الملك وفي مستوى تطلعات المواطنين، حكومة قادرة على مواصلة الإصلاحات والأوراش التنموية التي تشهدها بلادنا.
والرأي العام يميز جيدا ويتساءل عن المنطق الدستوري أو السياسي الذي يجعل من المستساغ أن يصبح حزب لم تسعفه نتائجه الانتخابية يدعو إلى القفز على الدستور ويوقف مسار تشكيل الحكومة ويهدد بأن الحكومة إما أن تكون به أو لا تكون ويطرح نفسه كحزب ذي كفاءات لا يمكن أن تستقيم الحكومة إلا بها خصوصا في التوجه الإفريقي للدولة حاليا؟
إننا في حزب العدالة والتنمية نرى أن جوهر المشكل ليس مجرد تعثر عادي في المشاوارات من أجل تشكيل الحكومة، إن التحدي اليوم يمكن في تكريس مصداقية الحياة السياسية والحزبية، والحفاظ على المكتسبات التي راكمها المغرب على مستوى الإصلاحات الدستورية والسياسية والتي جعلته نموذجا استثنائيا ومثالا يحتذى في مجال جغرافي مليء بالتقلبات والاضطرابات المنتجة لعدم الاستقرار والمعطلة للتنمية.
وبهذه المناسبة نؤكد أننا سنواصل مشاورات تشكيل الحكومة، بناء على المنطلقات والمبادئ التي أعلنا عنها أكثر من مرة والمتمثلة في احترام الإرادة الشعبية، والتعيين الملكي، واعتبار القواعد الديمقراطية واستحظار انتظارات المواطنين وإعمال المنهجية التشاركية والتعاون على الاصلاح ومراعاة المصلحة العليا للوطن، وكل ذلك يعتبر نهجا ثابتا في تصورنا ومنهجنا للاصلاح.
نؤكد أننا سنواصل كما فعلنا خلال هذه الفترة السابقة التعبير عن حسن نيتنا وحرصنا على تشكيل الحكومة في أسرع وقت كي تتمكن من ممارسة مهامها للاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية، ولكن ليس على حساب كرامة المواطن والمصداقية في الممارسة السياسية، وليس بما يساهم في الدفع الى اليأس من جدوى المشاركة السياسية وتشجيع العزوف وإضعاف التعبئة الوطنية اللازمة لكي ترفع بلادنا بنجاح التحديات السياسية والتنموية التي تنتظرها.
القضية اليوم أننا في مفترق الطرق وأمام أسئلة ملحة يطرحها الرأي العام، أسئلة تحتاج إلى إجابات جماعية واضحة وصادقة ومنها:
هل سنواصل مسلسل الإصلاحات التي بدأت قبل 2011 وأخذت نفسا جديدا ومتميزا في المنطقة مند أن أعلن جلالة الملك عن برنامج إصلاحي جديد في الخطاب الملكي التاريخي ل 9 مارس 2011؟
هل سنتعامل بجدية مع التحديات الداخلية والخارجية ونتعبئ لنقدّم لها الأجوبة الحقيقية والملائمة ونتعاون جميعا لتحقيق الأهداف المعلنة في هذا البرنامج الإصلاحي؟
إننا نعتقد أن لا ديمقراطية حقيقية وتعبئة كافية دون احترام الإرادة الشعبية وأن لا أجوبة حقيقية وملائمة دون سير واثق وصادق نحو تعزيز الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية انطلاقا من المبادئ والتوجهات التي تضمنها دستور 2011 والتي مثلت تعاقدا جديدا بين مكونات الأمة و بين الدولة والمجتمع.
إن المعركة اليوم ليست، كما يريد البعض أن يصورها، معركة ايديولوجية بين تقدميين حداثيين ورجعيين إسلاميين وإنما المعركة اليوم هي بين من يسعى إلى تكريس الاختيار الديمقراطي واحترام الإرادة الشعبية ومواصلة الإصلاح وبين من يسعى إلى الالتفاف عليها .
الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني
إن هذا السياق الداخلي والخارجي، بما يحمل من تحديات حقيقية وفرص واعدة، يفرض علينا في حزب العدالة والتنمية، كمكون من مكونات مشهدنا السياسي والحزبي، عددا من المهام والمسؤوليات تقتضي:
المسوولية والوضوح السياسي ومواصلة دورنا في الإسهام في النهوض بالحياة الحزبية والسياسية ببلدنا.
مواصلة نضالنا من أجل البناء الديمقراطي في إطار نهج الإصلاح في إطار الاستقرار وفي نطاق الوفاء للمؤسسات والثوابت الوطنية الجامعة واعتماد التعاون والشراكة المبنية على الوضوح والمسؤولية والاحترام المتبادل.
مواصلة التفاني في خدمة المواطنين والبقاء بقربهم من خلال هيئات الحزب والمنتخبين الجماعيين والبرلمانيين.
الصرامة في الالتزام بقيم الصلاح والاستقامة والنزاهة والمصداقية.
مواصلة وتعميق إسهامنا في إعادة الاعتبار للممارسة والأخلاق والالتزام في السياسة.
مواصلة التلاحم وتقوية الصف الداخلي وتعزيز الوضع التنظيمي والنهوض بالحزب وجعله مؤسسة عصرية مستوعبة تضطلع بدورها في التمثيل والتأطير السياسي للمواطنين.
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون
عبد الاله بن كيران