بقلم: حسن حبران
الانسان كائن اجتماعي وسياسي بطبعه وبتربيته، فالإنسان لا يصير انسانا سياسيا واجتماعيا الا بطبعه أو بتربيته حتى وان كانت التربية احيانا جردته من انسانيته، ولأن العالم المعيش عالم مليء بالتناقضات والتأويلات والتفسيرات و فهام متعددة؛ كل حسب الاديولوجية التي ينطلق منها وإن كانت تدعي العلمية والموضوعية. سار من الواجب إذن أن نقف وقفة تأمل وموقف من ابراز العلاقة التي تربط وتفصل بين العمل السياسي والعلاقات الاجتماعية، وبينما نحن في زمن يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي ازداد شغفنا بالاهتمام بالموضوع أكثر، وبمناسبة فرز نتائج الانتخابات التشريعية وما تنتجه هذه الاخيرة من صراع بين الاهل والاصدقاء والجيران…، لم نتردد في كتابة هذا المقال المتواضع الذي أتى تحت الطلب، ايمانا منا بضرورة خدمة المجتمع قبل كل شيء والفصل المقدس بين العمل السياسي والعلاقات الروحية.
في البداية، يجب أن نسجل في هذه المناسبة أن المقال مجرد مساهمة نظرية وعملية في نفس الوقت، سعيا منا بالنهوض بالوعي المجتمعي والسياسي، وقبول الاختلاف والرأي الآخر في الممارسة السياسية التي قد ينتج عنها كما قلنا سابقا خلل في المنظومة المجتمعية، فسواء كانت هذه الممارسة من داخل الهياكل التنظيمية البيروقراطية أو خارجها تبقى كيف ما كان شكلها ومضمونها محترمة وقابلة للنقد.
فمن جهة، يكون العمل السياسي بكل ما يحمله المفهوم من معنى ودلالات خاصة (المؤسسات السياسية) هي قناعة ذاتية قبل كل شيء فهي التي تقترح نفسها كمؤسسات تسعى الى تنظيم الشأن العام وتدبير حياة الأفراد والجماعات، بينما يبقى الدحض لهذا الانتماء؛ فلسفة نقدية واعية بشؤونها فهي أساس تطور وتحول المجتمع لا على المستوى السياسي ولا على المستوى القيمى. ومن جهة أخرى، تكون العلاقات والأنساق والتفاعلات الاجتماعية التي تربط بين الافراد فيما بينهم أو الجماعات فيما بينها أو حتى الفرد في علاقة مع جماعة، لها دورها ووظائفها في الحياة الاجتماعية فهي أشبه الى مفهوم القداسة، ليس بطابعه الديني وإنما كقيمة وجودية ومجردة تتطلب كامل الاحترام والامتنان، فهي ارث انضافت اليه بصمتنا في الحياة كما أنه ملقى على عاتقنا تفعيله، إن علاقة هذا بذاك أشبه بأن يكون بعلاقة السياسي بالديني بينما تصورنا هنا كمن يدافع عن فصل ما هو سياسي عما هو ديني، أي فصل الاجتماعي عن السياسي، فالأول (الاجتماعي) قيمة وجودية تنصهر فيه كافة الاديولوجية والصراعات السياسية بينما الثاني (السياسي) يستدعي منا الأمر التنازل عن الاجتماعي والعاطفة والرابط الاجتماعي والعصبية القبلية…، هكذا كانت الانوار يوما ! بنزع الطابع السحري عن العالم، بالفصل الجريء بين الدين والسياسية بحرية التفكير…، انه يجب أن نفصل بين العمل السياسي والتفاعلات الاجتماعية، فلو افترضنا اننا اختلفنا سياسيا فيجب ألا يؤثر ذلك على الراوبط الاجتماعية سلبا.
إن هذا النقاش الدائر حول علاقة السياسي بالاجتماعي، يطرح جملة من الرهانات، من أبرزها القدرة على فصل الوظائف والادوار السياسية والاجتماعية فيما بينها لأنه ” لكل سياق تعامل”، طبعا سنقولها بسارح العبارة أننا لا ندعي ولا ندافع عن تشكيل قطيعة اجتماعية لكل من اختلف معنا سياسيا، لان العلاقات التي تربطنا سياسيا شيء، والتفاعلات الاجتماعية شيء آخر، فحتى وان شاء القدر أن نصل سياسيا الى ما وصلنا اليه، لا يجب أن نهدم تلك العلاقات الاجتماعية الروحية التي تربط بيننا.
وتأسيسا على التجارب الانتخابوية والسياسوية التي مضت، أكيد ان العديد من الروابط الاجتماعية والروحية التي هي أساس التوازن المجتمعي وقلبه النابض، انهارت بسب السياسي، وسارت ضحية مصالح طبقة معينة التي تستفيد من هذه المعمعة وهذا الصراع ككل وبالتالي ما فائدة تجربة سياسية لم نستفد منها؟