بقلم: امحمد لقماني
السيد سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق لحزبه ووزير الخارجية السابق ورئيس المجلس الوطني الحالي لحزبه، يقول بأنه عاجز عن فهم طريقة تفكيرنا من خلال تدوينتي عبر الفايسبوك. وأنا من جهتي سأصدقه القول بعجزي عن فهم سكيزوفرينيا الخطاب المزدوج لحزبه حين نرى قادته يعشقون الفصل 47 من الدستور حتى طلب الشهادة، لكنهم يكرهون باقي فصول الدستور ويتعاملون معها بانتقائية فجة، لأنها ستعرقل استراتيجية التمكين للجماعة الصغيرة والكبيرة .
لكن قبل ذلك، من قال بأن الفصل 47 من الدستور ليس ديمقراطيا ؟، وكيف لتدوينتي أن تشعل حقد القـادة والأتباع والكتائب وكأنهم على استعداد شبه عسكري للانقضاض على من يخالفهم الرأي و العقيدة ؟، فالمقصود بالتدوينة بسيط للغاية، ولا يخرج عن دائرة التعبير عن المخاوف من التوترات المحتملة داخل الحقل السياسي، كتلك التي قد تنتج عن تدبير هذا الفصل في حال فشل رئيس الحكومة في تشكيل حكومته في الآجال المعقولة. فصياغة هذا الفصل جاء صريحا لكنه لم يضع في الحسبان الحالات والسيناريوهات الممكنة في حالة وجود بلوكاج في ضمان أغلبية حكومية، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام التحكيم الملكي بموجب الاختصاصات المسندة إليه بموجب الدستور. لكن المشكلة ليست هنا، بل المشكلة هي هل يقبل حزب العدالة والتنمية سيناريو إسناد مهمة تشكيل الحكومة للحزب الثاني أي الأصالة والمعاصرة ؟، وهل كان لحزبكم أن يقبل برئاسة الحكومة من طرف شخصية غير سياسية ؟، ثم هل يقبل بحكومة ائتلاف وطني جنبا إلى جنب مع من كان يعاديهم؟، الجواب طبعا بالنفي لأن عقيدة الحزب المتعطشة للسلطة لا تقبل بالتنازلات والتوافقات الديمقراطية التي يتطلبها مسار الإنتقال الديمقراطي من أجل المصلحة الوطنية. لنتذكر أن قادة حزب العدالة والتنمية، وفي عز الحملة الانتخابية، شككوا في العملية الانتخابية كلها، وقاموا بابتزاز الدولة وقللوا من احترامهم للملك، وهددوا بالفوضى والنزول إلى الشارع في حال عدم احتلالهم للرتبة الأولى في الانتخابات. فكيف لهم أن يقبلوا بسهولة أن ينزع من بين أظافرهم رئاسة الحكومة وقد خاضوا من أجلها معركة داحس والغبراء، وكأنها القيامة ؟، ألم يرفعوا خلال الحملة الانتخابية شارة رابعة ورايات داعش؟.
الدستور دستور الجميع، فلماذا قتلتم روحه الديمقراطية وقمتم بتعطيله لمدة خمس سنوات كاملة حتى أخرجتم، في الأنفاس الأخيرة، قوانين على المقاس، باهتة وبئيسة، مثل قوانين التقاعد والمناصفة والإضراب وترسيم الأمازيغية…إلخ. وكلها قوانين لم يراع فيها الحد الأدنى من الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها دستوريا، فقمتم بتهميش الجميع، بما في ذلك أحزاب أغلبيتكم الحكومية نفسها، فبالأحري باقي فئات المجتمع التي خرجت تحتج على سياساتكم بالألاف في شوارع البلاد ؟، تأخذون من الدستور ما تشتهون وتتركون جانبا ما لا يتماشى مع استراتيجية جماعتكم في الداخل والخارج !!، هل كنتم ديمقراطيون فعلا في التعيين في المناصب العليا أم الأولوية كانت لذوي القربى والمؤلفة قلوبهم…؟، كيف تقدسون ديمقراطية الفصل 47 دون باقي الفصول؟، وهل تعتقدون بأن هذا الفصل لوحده سينقل بلادنا إلى الديمقراطية المنشودة دون الديمقراطية التشاركية الاجتماعية منها والاقتصادية والتعليمية والثقافية ؟، أم أن القبض على السلطة هو أم البدايات و النهايات؟، ألا تعتقدون بأن غياب احترازات دستورية واضحة داخل هذا الفصل قد يشكل مدخلا لتسلل نزعات متطرفة إلى أجهزة الدولة وثنايا المجتمع؟، ألم يحصل ذلك فعلا في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية ؟، وهو الفخ الذي تنبه له، بذكاء، دستور إسبانيا لسنة 1978 مخافة أن يعود من المدخل عينه أتباع الديكتاتور فرانكو القابعين داخل الجيش والإدارة والنخبة السياسية؟.
أنا لا أقدس ديمقراطية الصناديق رغم ضرورتها، ولكنها الديمقراطية الاجتماعية التي أفضلها. ثم إن موقفي الشخصي من هذا الفصل عبرت عنه مرارا فيما سبق، خاصة لحظة التداول في مشروع إعداد الدستور، وقبلنا هذا الأخير بروح توافقية ووطنية حتى تجتاز بلادنا مرحلة التوترات بدون تصدع الكيان الجامع. أما أنتم فأقمتم الدنيا ولم تقعدوها، ومارستم ضغطا رهيبا على لجنة المانوني حتى تم تعديل بعض الفصول كما تشتهون، ولا داعي للتذكير بما مضى…
نحن هنأناكم بفوزكم ولا حرج لنا في ذلك لأننا ديمقراطيون فعلا. لكني أتصور العكس إذا فاز حزب الأصالة والمعاصرة بالرتبة الأولى. هل كنتم لتفعلوا نفس الشيء؟، موقفي ليس تشكيكا في الفصل 47، ولا في الدستور، ولا في نتيجة الاقتراع، ولكنه نقاش في الدستور كما في السياسة والمجتمع. ففي النهاية مستقبل وطني يهمني كما قد يهمكم. فأنا لا أميل إلى تحليل أوضاع بلدي بتحنيط تفكيري داخل فصول الدستور دون الانتباه إلى ما يعتمل داخل المجتمع من توترات وانزلاقات ومخاطر قد تجعل من الدستور نفسه نصا بلا فائدة. ولكن، بما أنكم تعمدتم تجميده لأنه لا يخدم مصالحكم، فأرجوكم لا تتكلموا عن الديمقراطية كثيرا و اتركوها وشأنها.
أما بعد يا أستاذ العثماني، تأكد بأنني أقدرك، كيف لا وأنت حائز على جائزة الديمقراطي المسلم من أمريكا، فأرجو ألا تتسرع في تقديراتك وخرجاتك كما تسرعت ذات يوم وأنت وزير خارجية المملكة المغربية(…).