أفرد الدستور المغربي للديمقراطية التمثيلية مقتضيات هامة وجعل منها أحد أركان الشرعية السياسية من خلال ربطها بسيادة الأمة، حيث نص في فصله الثاني على أن “السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشر بواسطة ممثليها” الذين تختارهم “في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم”. كما يقضي الفصل الستون من ذات الوثيقة بأن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة. وهي الوظيفة التي نمت في ظل التعددية السياسية التي تبناها المغرب بشكل مبكر مباشرة بعد استقلاله في 18 نونبر سنة 1956، حيث عرفت الممارسة النيابية مجموعة من التطورات والتراكمات منذ انتخاب أول برلمان مغربي سنة 1963. وقد تواتر العمل بآليات الديمقراطية التمثيلية منذ ذلك الوقت لانتخاب أعضاء مجلس النواب سنوات 1970، 1977، 1984، 1993، 1997، 2002، 2007، 2011، وتلك التي سيتم تنظيمها في السابع من أكتوبر 2016.
ولأن آلية الانتخاب تعد الأداة الوحيدة لاختيار نواب الأمة، فقد شدد الدستور الجديد على حرمتها وسلامتها. إذ علاوة على كون “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي”، ألزم الفصل الحادي عشر من الوثيقة الدستورية السلطات العمومية بالحياد التام إزاء المترشحين وعلى ضمان الولوج المتكافئ لوسائل الإعلام العمومية واحترام المعايير الدولية في مجال الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات ومعاقبة كل من يخالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية.
وبقطع النظر عن أحكام الدستور و المقتضيات التشريعية المواكبة لها، يكتسي الاستحقاق الانتخابي للسابع من أكتوبر 2016 أهمية خاصة بحكم الوظيفة السياسية التي يفترض أن تلعبها الانتخابات ضمن مسلسل الانتقال الديمقراطي في المغرب. فبعد المحطة التأسيسية التي جسدتها الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011، يفترض المتتبعون للمشهد السياسي في المغرب أن يشكل استحقاق السابع من أكتوبر 2016 فرصة لتثبيت العديد من المكتسبات وتعميق خيار الانتقال إلى الديمقراطية.
ولأن الانتخابات في السياق المغربي هي أيضا جزء لا يتجزأ من دينامية النسق السياسي بتفاعلاته وتناقضاته، الجوهرية والظرفية، فإنها تشكل فرصة سانحة لعموم الباحثين والمراقبين للوقوف عند استراتيجيات الفاعلين السياسيين بمختلف أطيافهم ومواقعهم، دولة وأحزابا وحركات اجتماعية. حيث تعد الانتخابات البرلمانية في المغرب عموما لحظة بؤرية كثيفة الدلالة بوصفها آلية محورية من آليات ضبط المجال السياسي وإدماج النخب وتحيين الخطاب والتنافس على الشرعية والموارد والتدافع بين الأطروحات والكتل المجتمعية المختلفة حسب موقعها من السلطة ووفق مرجعياتها ومخططاتها السياسية.
تسعى الندوة الوطنیة، التي تعتزم تنظیمھا الجمعیة المغربیة للعلوم السیاسیة بشراكة مع كلیة، العلوم القانونیة والاقتصادیة والاجتماعیة بالرباط أكدال یومھ الخمیس 13 أكتوبر 2016إلى تسلیط الضوء على المسلسل الانتخابي الذي یشھده المغرب لاختیار أعضاء مجلس النواب. وتندرج ضمن أشغال ھذه الندوة المحاور التالیة :
تدبیر المسلسل الانتخابي : تمویل الحملات الانتخابیة، التواصل الانتخابي والولوج إلى الإعلام العمومي، الملاحظة المستقلة والمحایدة للانتخابات، السلوك التصویتي للناخبین…
قراءة النتائج التي أسفر عنھا اقتراع السابع من أكتوبركما وكیفا، وكذا التوازنات السیاسیة الجدیدة المترتبة عن الانتخابات التشریعیة.
الخیارات الممكنة والتشكلات الجدیدة التي یمكن أن تطبع المشھد السیاسي المغربي بعد ھذا الاستحقاق، لاسیما في ما یتعلق بتركیبة النخب السیاسیة الجدیدة وتوجھاتھا بشأن تدبیر الشأن العام.