إعداد : وفاء قشبال
جغرافيا النيل :
يتصدر نهر النيل قائمة انهار العالم، فهو أطول انهار الكرة الارضية على الاطلاق متقدما على كل انهار القارات من حيث طوله، إذ يبلغ إجمالي طول نهر النيل العظيم 6695 كيلومتراً
من منبعه في دولة البوروندي إلى مصبه شمال مصر عند المنطقة المعروفة بالدلتا حيث يتفرع النيل إلى دمياط شرقا ورشيد غربا مشكلا بينهما دلتا النيل”(وهي تعتبر اكبر دلتات العالم بمساحة 240كلم) ثم يلتقي الفرعان معا ليصبا في البحر الابيض المتوسط شمالا. و هو بذلك النهر الوحيد الذي يجري عكس اتجاه جاذبية الأرض متدفقا عبر الصحراء و من الصحراء إلى غاية المتوسطي عابرا 10 دول إفريقية : أوغاندا، البوروندي، إثيوييا، تانزانيا، كينيا، جمهورية الكونغوالديمقراطية رواندا، السودان، السودان الجنوبية(بعد انقسام السودان إلى شمالية و جنوبية) . كل هاته الدول التي تمر عبرها مياه نهر النيل العظيم إلا أن اسمه ارتبط بمصر أكثر من غيرها فما الأسباب الكامنة وراء ذلك ؟؟؟ من المؤكد أن الاسباب كثيرة و مختلفة،منها اسباب تاريخية سنعود لها، وأخرى جغرافية وتحديدا اقتصادية تكمن بالأساس في خصوبة التربة وجودتها ما ساعد منذ القدم على ازدهار الأنشطة الفلاحية على طول ضفتي النهر العظيم بمصر و خصوصا منطقة الدلتا الغنية بالتربة “الغرينية” ، بالاضافة لصيد الأسماك حيث لقب نهر النيل قديما ب”رب الاسماك” … وبعد آلاف السنين لازال نهر النيل مصدرا للرزق و الخير من خلال توظيفه كنقطة قوة في النشاط السياحي للبلد، وهو أحد أهم الركائز الأساسية في الاقتصاد المصري المعاصر ، إذ مايزال هذا “النهر العظيم” يلقي بظلال سحره و جماله على السياح الأجانب و يغريهم لركوبه، ليعبر بهم يوميا من و الى محافظة الاقصر(عاصمة مصر فى العصر الفرعونى)الزاخرة بالعديد من الفضاءات السياحية من الاهرامات (المعابد) ،المقابر والأديرة … التي تقف شاهدة على عظمة واحدة من أعظم الحضارات الإنسانية على الاطلاق. وهنا حيث يمتزج التاريخ بالجغرافيا ويصبح من الصعب الفصل بينهما، لابد من أن أسطر – وخصوصا بالنسبة لغير المتخصصين – على أن اسم نهر النيل من منبعه إلى مصبه يتغير بحسب جغرافية الدول التي يجري عبرها كتغير مجرراه، منسوبه المائي وقوته… وهذا سبب آخر يفسر ارتباط نهر النيل بمصر أكثر من اي دولة اخرى،لأنه انطلاقا من الحدود الاثيوبية السودانية تتعدد الروافد التي تغديه وتجعله محملا بالطمي(حوالي 110 مليون طن من الطمي سنويًا معظمها من هضبة الحبشة بإثيوبيا ) و الذي يترسب على ضفتيه بمصر التي تعتبر منطقة مصب نهر النيل في الشمال بعد مسار طويل في وسط شرق افريقيا .
وهنا لابد من الاشارة الى تعدد الروافد التي تغديه على طول مساره كالاتي :
1- نهر” لوفيرونزا” في البوروندي وهو أقصى منابع النيل جنوبًا، والذي يصب في بحيرة فيكتوريا، على حدود كل من أوغندا،تانزانيا وكينيا، يقطعها خط الإستواء،والتي تعد هي المصدر الأساسي لمياه النيل الأبيض و هي ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم. وبعد أن يخرج نهر النيل من بحيرة فيكتوريا عند مدينة جينجا، يعرف النيل في هذا الجزء باسم نيل فيكتوريا” ويجري لمسافة 570 كلم حتى يصل بحيرة ألبرت التي تتوسط القارة الأفريقية حيث تقع في مركزها على الحدود بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية(الزايير سابقا ) وبعد مغادرته بحيرة ألبرت، يعرف النيل باسم نيل ألبرت إلى غاية دخوله الى جمهورية جنوب السودان حيث يمر عبر شلالات فولا ليعرف عندها باسم “بحر الجبل” أو السد” على طول 1,280 كلم،ثم يدخل منطقة مستنقعات كثيفة حتى يستعيد مساره باتجاه الشمال إلى أن يدخل جمهورية السودان مرورا بالعاصمة السودانية الخرطوم بطول 720 كلم حيث يحمل اسم النيل الأبيض.
2- وبحكم تدفق مياه أخرى من بحيرة تانا”الواقعة في مرتفعات اثيوبيا بشرق القارة الإفريقية لتغدي نهرالنيل في مسار طوله 1,400 كيلومتر(850ميلا) حيث يطلق عليه اسم أبّاي (باللغة الامهرية) الى غاية الحدود الاثيوبية السودانية. وبعدها يطلق عليه اسم “النيل الأزرق” حيث يلتقي بنهري الرهد والدندر داخل الأراضي السودانية، ويستمر حتى يلتقي بالفرع الآخر “النيل الأبيض” عند المقرن بالعاصمة السودانية الخرطوم.وبعدها يغير النيل مساره وينحني في اتجاه الجنوب الغربي قرب مدينة “أبوحمد” أي على بعد538 كيلومترا شمال الخرطوم، ثم يعود لمساره الاصلي بالقرب من مدينة “الدبة”ويطلق على هذا الجزء المنحني اسم “الانحناء العظيم للنيل”. ويستمر النيل في مساره شمالا حيث التقائه بنهر “عطبرة”شمال شرق السودان، كآخر رافد من روافد النيل. وبعد عبور النيل الحدود السودانية المصرية يواصل مساره حتى يبلغ بحيرة ناصر”ومنها يتجه شمالا حتى يصل إلى البحر المتوسط ، و أثناء مساره هذا ، يتفرع جزء من النهر عند “أسيوط( كبرى مدن صعيد مصر) مشكلا”بحر يوسف” الذي يمتد الى غاية منطقة الفيوم(شمال الصعيد) .
من الواضح أن الموقع الجغرافي لمصر هو ما مكنها من استقبال النيل الابيض النابع من اواسط شرق افريقيا،بعد أن يكون قد التقى بالنيل الازرق المحمل بالطمي و القادم من بحيرة تانا الإثيوبية ليعبر السودان و يدخل مصر وهو في أشد قوته او ما يسمى بمرحلة “شباب النهر” حيث اتضح بجلاء سبب ارتباطه -رغم مجراه الطويل-
تاريخ النيل :
إن ارتباط اسم نهر النيل” بدولة مصر حقيقة تاريخية مؤكدة منذ الحضارة الفرعونية القديمة إلى عصر الحضارة المصرية الحديثة، على عكس كل الدول التسعة التي يمر بها، بحكم أن هذا الجزء من النيل” كان و لايزال في لاوعي الشعوب المصرية المتعاقبة، مصدرا للرزق و القوة و الحكمة وهو ألمانح للحياة أيضا. كما اتفق المؤرخون القدامى و المحدثون على اعتباره سببا رئيسيا في ظهور الحضارة الفرعونية شأنها في ذلك شأن العديد من الحضارات الساحلية او القائمة على أساس المياه. والشاهد على ذلك التعريف الذي خلفه المؤرخ اليونانيّ هيرودوت بخصوص مصر بقوله (مصر هبة النيل)، بل كانت مصر تسمى ب”حضارة وادي النّيل” نسبة له. وليس غريبا أن يذهب المصريون القدامى الى تقديسه وعبادته وخاصة فيضانه الخطير الذي ألهوه وأطلقوا عليه اسم الالاه”حابي” واقاموا له طقوسا خاصة تؤرخ لها رسومات و صور منحوتة على جدران المعابد (وهو بشكل رجلٍ له ثدييّن وبطنٌ ممتلئٌ، ويتم طلاؤه باللونيّن الأزرق ويرمز لمياه النيل، والأسود للدلالة على الخصوبة) . كما ورد في إحدى النصوص: (من يلوّث ماء النيل، سيصيبه غضب الآلهة) أيضا العديد من المخطوطات الفرعونية القديمة حافلة بالأساطير عن نهر النّيل وقواه الخارقة،و بفضله تعلّموا حساب الأيّام والسّنين وقسّموا فصول السّنة، واجتهدوا في البحث عن حلول للحد من أخطار فيضان النيل الخطير، و ابداع طرائق أخرى للتكيف مع التغيرات المناخية آنذاك.. تعكس بجلاء تقدم فكر العنصر المصري الذي شهد التاريخ القديم على نجاحه في تطويع نهر النيل العظيم وتحويل نقمة فيضانه السنوي إلى نعمة حضارة إنسانية لازالت قائمة إلى اليوم منذ آلاف السنين في حين هناك حضارات نشأت على ضفاف نهر النيل نفسه، إنما لم تلبث أن طمست بين ثنايا تاريخ الإنسان القديم. نضيف أيضا أن مصطلح نهر النيل ضبط في وثائق (برديات) باللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) يرد بمعنى “إبتر عا” أى النهر العظيم أو النهر العالى، وهو قريب من المصطلح الذى يستخدم الى حد الان بمصر ال”ترعة” أي مجرى مائيا يربط مدنا ببعضها أو قرى مختلفة. و باللاتينية اصطلح على نهر النيل (Neilos)، ويطلق عليه في اليونانية اسم (Aigyptos)، وهو أحد أصول المصطلح الإنجليزي لاسم مصر (Egypt).
وللتاريخ، ففي الوقت الذي كانت فيه دول الحوض تخضع للقوى الاستعمارية الإمبريالية،عقدت مصر والسودان فقط ، اتفاقية 1959 من أجل إيجاد آلية ترضي جميع الأطراف لتقاسم المياه، وهي بذلك يمكن اعتبارها أوّل اتفاقية عقدت بين دول حوض النيل،التي انتظرت إلى غاية فبراير1999 للإعلان عن مبادرة “حوض النيل” و هي اتفاقية دولية تم توقيعها بتانزانيا بين دول حوض النيل العشرة (وأضيفت لها دولة إريتيريا كمراقب) الهدف منها تدعيم سبل التعاون الإقليمي (سياسيا واجتماعيا) بين هذه الدول. فيما يلي بنود الاتفاقية كما ترد بالموقع الرسمي للمبادرة، فهي تنص على: “الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السياسي والاجتماعي، من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل”.
بدأت محاولات الوصول إلى صيغة مشتركة للتعاون بين دول حوض النيل في 1993 من خلال إنشاء أجندة عمل مشتركة لهذه الدول للاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها حوض النيل.
وبطلب من مجلس وزراء مياه دول حوض النيل سنة 1995، انخرط البنك الدولي في الأنشطة المقترحة، وعلى ذلك أصبح كل من البنك الدولي، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي والهيئة الكندية للتنمية الدولية شركاء لتفعيل التعاون ووضع آليات العمل بين دول حوض النيل.
في 1997 قامت دول حوض النيل بإنشاء منتدى للحوار من آجل الوصول لأفضل آلية مشتركة للتعاون فيما بينهم، ولاحقا في 1998 تم الاجتماع بين الدول المعنية – باستثناء ارتيريا في هذا الوقت – من أجل إنشاء الآلية المشتركة فيما بينهم.
في فبراير من العام1999 تم التوقيع على هذه الاتفاقية بالأحرف الأولى في تانزانيا من جانب ممثلي هذه الدول، وتم تفعيلها لاحقا في مايةمن نفس العام، وسميت رسميا باسم: “مبادرة حوض النيل”.
الرؤية والأهداف:
تهدف هذه المبادرة إلى التركيز على ما يلي:
- الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السوسيو-اجتماعي، من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل
- تنمية المصادر المائية لنهر النيل بصورة مستدامة لضمان الأمن، والسلام لجميع شعوب دول حوض النيل.
- العمل على فاعلية نظم إدارة المياه بين دول حوض النيل، والاستخدام الأمثل للموارد المائية.
- العمل على آليات التعاون المشترك بين دول ضفتي النهر.
- العمل على استئصال الفقر والتنمية الاقتصادية بين دول حوض النيل.
- التأكد من فاعلية نتائج برنامج التعاون بين الدول، وانتقالها من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ.
مجالات التعاون : – المياه – تنوع الأحياء المائية – استئصال الفقر – الغابات – الجفاف – إطارات التنمية المستدامة – الطاقة من أجل التنمية المستدامة – الزراعة – حفظ وإدارة الموارد الطبيعية – التنمية المستدامة في القارة الإفريقية – تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج الغير صحية – التنمية المستدامة في ظل العولمة.