بقلم : وفـــاء قشبال (أرشيف)
الأحد, 11 كانون1/ديسمبر 2011 00:0
يوم الجمعة 25 نونبر 2011، كان المغاربة على موعد مع أول انتخابات تشريعية، عقب الإصلاح الدستوري لفاتح يوليوز المنصرم،وهو التحدي الذي حبس أنفاس كل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الداخلية، وكذا المؤسسات الحزبية، ومعهم كل الفاعلين والمهتمين، تخوفا من ضعف نسبة المشاركة أو العزوف عن صناديق الاقتراع. وبتحقيق نسبة 45.40 في المائة، الجميع تنفس الصعداء، وعبر عن ارتياحه لهاته النسبة الـتي اعــتبرت مشرفــة بالنظــر إلـى استحــقاقات سنـة 2007 ، حــيث لــم تـتجاوز نسـبة المشاركـة 37 في المائة ـ آنذاك ـ .
فيما أكد بعض المختصين،على أن التجارب الانتخابية لأعرق الديمقراطيات العالمية، نسب المشاركة فيها تظل تتراوح ما بين 45و55 في المائة ولا تزيد عن ذلك إلا في الدول، التي تفرض غرامات على من لم يدلي بصوته في الانتخابات.
عموما وفي إطار الديمقراطية، وتيمنا بالمقولة الشهيرة: ” الرأي يحترم والفكرة تناقش”، فالرأي الذي يرى في نسبة45.40في المائة إيجابا، له ذلك ،إنما هناك دائما ،من ينظر من زاوية أخرى مغايرة عن تلك التي ينظر منها الجميع ، هناك من لم يكتفي بمقارنة النسبة بنسب مشاركات دول أخرى، بل ذهب إلى طرح سؤال يرمي إلى أبعد من ذلك، والجميع اليوم يريد أن يقفز عليه ـ لسبب أو لآخر ـ في غمرة هاته الأحداث المتتالية، سؤال بسيط، منطقي، لكنه محرج في الوقت ذاته :هاته النسبة ـ بكل الإشادة والتنويه الداخلي والخارجي ـ هل تعكس الديمقراطية فعلا؟؟؟ هل تعكس إرادة شعب تعداده السكاني حوالي 38مليون نسمة ؟ والأدهى من ذلك ،أن عدد المسجلين ـ حسب اللوائح النهائية للناخبين المقيدين ـ لايتعدى 13المليون و475 ألف مغربي فقط وتحديدا( 13.475.435 )، و نعتبر فرضا أن24 مليون من المغاربة وما يزيد ، كلهم خليط ممن ليست لهم الأهلية للتصويت ـ حسب المادة 5 من مدونة الانتخابات ـ !!! لنقف على حقيقة جلية تقول : أن أقل من نصف المغاربة، هم المسجلون في اللوائح الانتخابية !! وحتى ضمن هؤلاء المسجلين، 45/100 منهم فقط، أدلوا بصوتهم، بمعنى آخر المصوتون هم أقل من 6 ملايين ناخب وتحديدا (5450813.4575) ، فهل تستحق نسبة 45 في المائة كل هذا التطبيل والتزمير؟ أهاته هي الديمقراطية التي نهلل بها ؟ أكيد أنها ديمقراطية الجزء وليس الكل، ديمقراطية النخبة وليست عامة الشعب بما فيهم الكادحين والمعزولين جغرافيا …
قد يقول البعض أن الدولة فعلت ما في وسعها، وجندت كل الإمكانات المادية و اللوجستيكية من أجل استقطاب المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية أولا،ثم الذهاب لصناديق الاقتراع ثانيا . على المستوى الظاهري صحيح، لكن من المؤكد ـ في العمق ـ لايزال أمامها الكثير لتقوم به. نتفق أن ثمة متدخلات أخرى في العملية الانتخابية، ترتبط مباشرة بالمواطن نفسه، كدرجة الوعي الثقافة والمستوى الدراسي ،وهنا نستحضر أن نسبة الأمية لازلت متفشية ببلادنا، في حين الديمقراطية كمفهوم قبل أن تكون ممارسة، تتطلب درجة عالية من الوعي والفهم .. وكذلك الأمر بالنسبة للملكية البرلمانية،التي خرج علينا وفد ـ مؤخرا ـ ينادي بها ،عن جهل صارخ بمضمونها وفحواها،وكذلك مفهوم المواطنة،الحرية وغيرها من المفاهيم، التي تتطلب درجة كبيرة من الوعي والتثقيف والدراسة ،من أجل اكتساب شخصية قادرة على استيعابها وتداولها بشكل صحيح، وليس التهليل بها فحسب ، وهنا بالضبط تطفو ـ من جديد ـ مسؤولية الدولة ، في مصادرة الوعي العام المغربي وتقزيمه ، من خلال استمساك الحكومات المتعاقبة بمناهج “لا تعليمية ولا تربوية” قد تسعفنا في محاربة الأمية ربما !!! إنما ـ يقينا ـ لن تقضي على الجهل بين أبناء الطبقة الكادحة، التي لا تملك غير الولوج إلى التعليم العمومي. وبالتالي يجد الفساد والمفسدون في الأمية والجهل أضف لهما الفقر مرتعا خصبا للفساد الانتخابي من ناحية، ومن ناحية أخرى، تظل القاعدة العامة ترفض أو لا تعرف كيف تمارس حقها الديمقراطي من خلال الانتخابات!! نظرا لاستفحال الثالوث المذكور( أي الجهل الأمية و الفقر) في أوساط هاته الطبقة. وفي كلتا الحالتين الطامة عظمى ، تبتدئ بضعف نسبة الأصوات المعبر عنها، وتنتهي بعرقلة المسار الديمقراطي لبلدنا الحبيب .
وفي السياق ذاته، وبخصوص الجهود المبذولة من طرف الدولة دائما، ماذا عن سكان الجبال والمداشر المعزولة ؟؟ هل استهدفتهم حملات التوعية والتحسيس بأهمية هاته الممارسة الديمقراطية ؟ هل حرصت الدولة والأحزاب على أن تهب رياح الحملة الانتخابية على هذا الجزء الوعر من المغرب؟ وما التحفيزات التي قدمتها لهؤلاء للنزول من القمم إلى السفح من أجل أداء الواجب الوطني ؟؟ وحتى داخل المدن الكبرى ، ألم تجد بعد الدولة، صيغة مناسبة لجعل يوم الاقتراع يوم عطلة لكافة المغاربة ؟!! ـ دون انتظار تفهم أو تفضل أرباب العمل ـ والواقع أن العديد من المواطنين ـ الطلبة مثلا ـ تعذر عليهم التصويت لا لشيء، سوى أنهم يتواجدون بمدن غير التي يقطنون بها، وظروف النقل والتنقل لا تسعفهم للقيام بواجبهم الوطني ، وتزداد الطين بلة إذا كان رب العمل من اليساريين المتشددين، والمقاطعين للانتخابات، لك أن تتصور ما مقدار المراوغات والصعوبات التي يواجهها العامل أو المستخدم، لترك العمل والذهاب للتصويت…
وللدولة أيضا ملفات عالقة مع ساكنة مناطق بعينها، تحس بأنها مهمشة، ولا تدخل أجندة الدولة إلا قبيل الانتخابات . وأخرى تهضم حقوقها وأملاكها أمام مرأى ومسمع الجميع دون أن تتدخل السلطات لإنصافها وإرجاع حقوقها، كما هو الحال مثلا، في قرية “الركادة” نواحي مدينة العرائش، والنتيجة لم يصوت غير 20 شخصا من أصل 900 مسجل في اللوائح الانتخابية !!! والدولة بمؤسساتها، متهمة أمام ساكنة جهات كثيرة من المملكة بتهمة سوء تدبير العديد من الملفات الاجتماعية، ما زج ببعض المناطق إلى احتقان اجتماعي عارم،أثر ويؤثر سلبا على صناديق الاقتراع .
دون الحــديــث عــن خــيبة أمــل الـجالــيـة فـي التــصــويــت، بعــدمـا أضحــى حــقـا دسـتـوريــا ـ حســب التعديــل الدستوري الأخيرـ.
أن نصفق جميعا لنسبة 45/100، ونلمع صورتنا أمام المنتظم الدولي ، أمر تفرضه الغيرة الوطنية، إنما المواطنة الصادقة تفترض أيضا ،ألا نجعل من هاته النسبة ذاك “الغربال” الذي يعتقد أنه سيخفي الشمس في وضح النهار، والشمس هنا حقيقة مفادها ، أن الدولة بكل اجهزتها، مسئولة على معالجة العديد من المشاكل في عمق المجتمع، وليس فقط توظيف “البراح ” للدعوة للانتخابات بالأسواق الأسبوعية، و تجنيد المجال السمعي البصري،، أو حتى رصد مبلغ 220 مليون درهم كمساهمة في تمويل الحملات الانتخابية ، بل بالإصلاحات العميقة سيتضاعف عدد المسجلين باللوائح الانتخابية ونسبة الإيجابيين ـ بمعنى المشاركين ـ في العملية الانتخابية ، أكيد ستتضخم أكثر فأكثر، شريطة أن تأهل الدولة أداء مؤسستها عبر التراب الوطني، وتخلق إدارة مواطنة تضمن الحقوق قبل الواجبات،وتزرع الثقة والتصالح مع أجهزة الدولة عموما … كل هذا لن يتأتى ـ في اعتقادي ـ إلا عبر المؤسسة التربوية ، بمناهج تربوية و تثقيفية ، ترتقي بالوعي العام للمغاربة. بهاته الرؤية الشمولية والإصلاح القاعدي، يمكن أن نحارب العزوف ونحقق أرقاما ونسبا تعكس مفهوم الديمقراطية بالفعل .