بقلم وفاء قشبال
قبل الخوض في رصد و ترصد مبدأ”ربط المسئولية بالمحاسبة” داخل المجتمع المغربي ، بعد سنوات من إقراره كمبدإ دستوري من أهم المبادئ التي جاء بها دستور 2011. وهنا نفتح قوسا للقول أن المشرع المغربي جاء بهذا المبدأ في الفصل الاول من الدستور ليس عبثا بل هو مؤشر على أنه واحد من مقومات النظام الدستوري المغربي. حيث ينص هذا الفصل على 1مبدا الحكامة الجيدة 2 الديمقراطية و المواطنة و التشاركية 3 فصل السلط و 4 مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و شخصيا أعتبره فصل” المتلازمات الاربع” على اعتبار أن كل مبدأ يصب في الاخر و جميعها تطوف في فلك واحد. فبالحكامة الجيدة تتحقق الديمقراطية و المواطنة و التشاركية وفصل السلط وتوازنها و تعاونها وبربط المسؤولية بالمحاسبة نبلغ الحكامة الجيدة ، و بمعادلة بسيطة جدا مفادها بمحاسبة x ينصلح حال y وقس على ذلك و العكس صحيح كما يقول المثل ” المال السايب يعلم السرقة” وهو واقع الحال ببلادنا اليوم. وهنا بيت القصيد فبالرغم من مجموع المبادئ التي تمت دسترتها من خلال الفصل الأول من دستور2011 وغيره من الفصول بهدف الحد من الفساد و القضاء على لوبياته إنما للأسف بعد سنوات لايزال الوضع على ماهو عليه و الطامة الكبرى أن حكومة مابعد دستور 2011 بدل تفعيل هذا المبدأ رفعت شعار عفى الله عما سلف” و كأن الدستور بفصوله لا يعنيها أو إنها حكومة لغير المغاربة الذين أجمعوا على هذا الدستور. وبالتالي فالقفز على تطبيق هذا المبدأ الدستوري هو نكوص خطير و ضرب أخطر لإرادة شعب أراد بدسترته هذا المبدأ القطع مع الفساد و استئصال رعاته من المجتمع.
كما أن الصيغة التي اختارها المشرع الدستوري لهذا المبدأ واضحة صريحة لا لبس فيها، وبمجرد قراءة سطحية يفهم القصد و المرمى مباشرة ، إذ هو إقران و تلازم المسؤولية بالمحاسبة أي ضرورة محاسبة كل مسئول ثبت تورطه أو تقصيره في أداء واجبه مع ضمان عدم إفلاته من المحاسبة على الأقل، على اعتبار أن “المحاسبة” في فقه القوانين ليست بالضرورة مرادفا للعقاب . ويقينا ،وضوح صيغة هذا المبدأ وبساطتها لم يكن بالصدفة أيضا بل هو مؤشر آخر يدل على رغبة المشرع في تطبيق و تفعيل هذا المبدأ و إلا فجميعنا نعرف الكثير من القوانين التي تحتاج الى فقهاء القانون لتفكيك شفرتها أولا لتجاوز أزمة الفهم قبل أزمة التفعيل .
و القفز على هذا المبدأ و تجاهل تطبيقه هو نكوص وضرب لإرادة المغاربة كما ذكرت، و عرقلة كبرى لمشروع تخليق الحياة العامة ببلادنا وإيجاد مجتمع ببيئة صحية سليمة يتعايش فيها كل المغاربة في ظل عدالة اجتماعية و إنصاف اقتصادي .
- وبهذا الصدد فقد دعا الملك محمد السادس كل الفعاليات و المؤسسات الحزبية و المدنية إلى إيجاد مشروع تنموي جديد يليق بهذا البلد العريق . و لا أعتقد يقينا أن هذا المشروع التنموي المنتظر سيكون أفضل من سابقه دون تفعيل وتطبيق المبادئ الدستورية و أولها مبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة” لأنه المدخل الحتمي لأي إصلاح مجتمعي بدليل أن معظم الدول التي حرصت على تطبيق هذا المبدأ سجلت تقدما فعليا في شتى الميادين و المجالات. لان في تكريسه ردع لكل أشكال الفساد الذي يتمظهر في الرشوة ،الوساطة ، الفساد الاداري،المحسوبية،السرقة،الاختلاسات،استغلال النفوذ،خيانة الأمانة ، استغلال الممتلكات العمومية،الشطط في استعمال السلطة،التقصير في اداء الواجب الإداري.. و كلها مفاسد من شأنها وضع الرجل “الغير مناسب” في مناصب المسئولية، ما يحول دون بلوغ “الحكامة الجيدة” والتي تعتبر بدورها شرطا أساسيا لتحقيق تلك التنمية التي يتطلع لها أبناء هذا الوطن.
مما سبق واضح ان الإشكال ليس في الفكر التشريعي بل في إرادة التفعيل، وهي قناعة راسخة لدى كل المغاربة اليوم، أن أزمة هذا البلد هي أزمة تفعيل” بل الجميع يقر أن القوانين جد متقدمة إلا أنها و للأسف، تظل حبيسة الأدراج فلا ينعكس مردودها ولا تتم بلورتها على أرضية الواقع بحيث يلمس المواطن العادي إيجابيات هاته القوانين في معاشه اليومي من خلال تخليق الحياة العامة و تجويد التدبير العمومي بالإدارات العمومية و بالجهات والجماعات الترابية …
و بالتالي فالخلاصة هي أن لا المواطن البسيط ولا حتى المجتمع المدني الذي أوكلت له مهمة الاقتراح و التتبع و الترافع … الجميع لم يلمس بعد تبلور هذا المبدأ بالشارع العام.
أي أن المبدأ الدستوري “ربط المسئولية بالمحاسبة” كغيره من المبادئ و القوانين العامة لايزال يعاني التهميش وعدم التفعيل رغم ان المشرع الدستوري واكب دسترة هذا المبدأ بدسترة العديد من المؤسسات والأجهزة للسهر على تفعيله، إلا أن الأثر لايزال باهتا اللهم المبادرة الملكية الأخيرة حيث أقال الملك محمد السادس العديد من المسئولين وأعفى البعض منهم بسبب التقصير في أداء مهامهم ومعاقبة اخرين بعدم شغل اية مناصب مستقبلا. وهي مبادرة ملكية استثنائية نحو مغرب ديمقراطي يحترم القانون ، جاء ذلك استنادا للفصل 47 من الدستور الذي ينص على أنه ” للملك بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم ” وعلى هذا الأساس فالدستور وضع الملك على رأس الجهات المختصة في تفعيل مبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة ” ليأتي بعده المجلس الأعلى للحسابات، المفتشية العامة التابعة لوزارة المالية، المفتشية العامة للإدارة الترابية إلى جانب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وتنضاف لها عدة أجهزة تمت دسترتها خصيصا لمواكبة تفعيل مبدأ “ربط المسئولية بالمحاسبة” في أفق تحقيق الحكامة الجيدة كطموح مشروع لهاته الأمة ،وهي تمثل جيلا جديدا من آليات ضبط العمل العمومي وتقويمه بهدف تخليق الحياة العامة و تجويد التدبير العمومي .ومن أبرز هاته المؤسسات الدستورية :
ـ هيئات حماية الحقوق و الحريات و النهوض بها متمثلة في المجلس الوطني حقوق الانسان، مؤسسة الوسيط ومجلس الجالية المغربية بالخارج وكذا الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز
– هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة و الديمقراطية التشاركية ، يمثلها : المجلس الاعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي، المجلس الاستشاري للاسرة و الطفولة ، المجلس ااستشاري للشباب والعمل الجمعوي
بالاضافة ل3 هيئات دستورية مهمة تسمى “هيئات الحكامة الجيدة و التقنين” و تتمثل في :
الهيئة العليا للسمعي البصري و مجلس المنافسة و الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة ومحاربتها. كما تم اشراك المجتمع المدني في عملية الحكامة المؤسساتية نظرا لما أصبحت تلعبه هذه الفئة من أدوار أساسية وحاسمة كقوة اقتراحية ورقابية أيضا من خلال الآليات الدستورية التي منحت لها في إطار الديمقراطية التشاركية