دردشة في السياسية…

بقلم : أمل مسعود

في أحد الأيام، تناقشت  في السياسية مع صديقة عزيزة على نفسي،  كأغلب المغاربة تكره السياسة و السياسيين. أبدت صديقتي استغرابا و امتعاضا ممزوجا بالاستنكار و العتاب كأنها لا تنتظر من شخص مثلي أن يتفوه بمثل هذه الحماقات. فقد قلت لها أن الأحزاب المغربية لها دور كبير في الحفاظ على استقرار المجتمع يصعب على العامة أن  تفطن له أو تستوعبه، و بأن أي زعيم سياسي مغربي من القادة البارزين، مهما بدا لك في الظاهر فاسدا و متوحشا و منافقا ، فإن له خطوط حمراء لن يتجاوزها و هي حب المغرب و الدفاع عنه،  و هذه الأمور لا يمكن استشعارها إلا في القضايا الكبرى.

فالمغفور له الحسن الثاني رحمه الله ،و بخلاف القادة العرب في زمانه، استثمر في السياسة.  فعندما كان صدام حسين رحمه الله يستثمر في البنيات التحتية و الاقتصاد و العلوم، و المرحوم القذافي يستثمر في الاقتصاد و العروبة، اختار المغفور له الحسن الثاني، بفضل ثقافته الواسعة  و موهبته السياسية الفطرية، أن يستثمر في السياسة الداخلية. فحاول أن يستوعب مفارقات المجتمع المغربي، و أن يفهم مختلف تياراته الخفية و المعلنة، و أن يفهم ما الذي يجمع المغاربة مع بعضهم البعض و ما الذي يفرقهم بدون أن يصبح خلافهم الفكري و الأيديولوجي سببا في تمزقهم.

و هكذا، و في وقت معظم الأنظمة العربية كانت تؤمن بنظام الصوت الواحد و الحزب الوحيد، وحده المغفور له الحسن الثاني  لم يمانع من تأسيس أحزاب و حركات سياسية  سرية أو علنية بتوجهات مختلفة  و متناقضة قادرة على أن تستوعب مختلف توجهات  أفراد المجتمع المستقبلية و الآنية.  فتأسست أحزاب يسارية ذات فكر معتدل و أخرى ذات فكر متطرف،و تأسست  أحزاب  لبرالية و  أحزاب محافظة و أحزاب  إسلامية حداثية و تأسست حركات  دعوية و حركات تؤمن بالسلفية الجهادية و تأسست  أحزاب تؤمن بالقبلية و القبيلة و أحزاب تعتمد على الأعيان و تأسست أحزاب عمالية  و أحزاب إدارية  تؤمن بمصالح الدولة، و أحزاب حداثية و أحزاب علمانية… و في العمق، هذه الفسيفساء الحزبية منحت لمختلف الأفراد إطارا قانونيا و حضاريا للتصارع الفكري و المنهجي، بدون أن يطغى صوت على أخر، أو أن يقصي حزب حزبا أخر. لأن الأصل هو أن يتعايش المغاربة فيما بينهم و ليس أن يهزم طرف طرفا أخر، و الأصل هو أن يتقوى المغربي و يكتسب المناعة السياسية ليحمي ذاته و بلده ضد الأخطار المحدقة و المتربصة به.

و مما لا شك فيه ، فأن الاستثمار في السياسة كان أفيد من الاستثمار في الاقتصاد أو العلوم.  فعندما عصفت السياسات الخارجية و مكرها بشعوب عدة، لم ينل خبثها من المغرب قيد أنملة برغم شراسة الهجمات. بل على العكس، فالربيع العربي منح للنظام الملكي شرعية أكبر، فاستشعرت مختلف الأطياف بأن الملك هو الضامن للاستقرار، كما أنها قوت المغرب  أكثر في محيطه الجغرافي.

و للأسف قلائل من سيستوعبون الدور و المجهود الذي قامت به الأحزاب المغربية بمختلف تلويناتها  لتجعل الربيع المغربي مزهرا.  فالعالم عاش في المرحلة الأخيرة مرحلة سياسية بامتياز، بكل ما تحمله هذه الكلمة من مكر و دهاء و خديعة و ذكاء و شجاعة و قدرة على التحمل و المواجهة و استباق الأحداث. و لولا تاريخ الأحزاب المغربية و حنكتها و تكوينها الجاد و إرثها الغني و المتنوع ما كان بإمكانها أن تصمد أمام  قوة الهجمات الخارجية التي كانت تهدف بكل قواها إلى فرض الفوضى المجتمعية بديلا على التنظيم.

لم تقتنع، صديقتي، بكلامي. و أكدث لي بأن الأحزاب فاسدة، و السياسي  انتهازي لا يهتم إلا بمصالحه الشخصية و تراكم الثروات. و بأن المغرب يئن و يتوجع من ثقل المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية الجاثمة عليه، و بأن المغرب كان بإمكانه أن يكون أفضل و يستحق أن يكون أفضل، و لكنه للأسف محاط بكومة من الانتهازيين الجوعى ينهشونه من كل مكان.

مرت شهور عدة على الحديث الذي دار بيننا. و في أحد الأيام ، و كان بالضبط يوم وفاة أحد الزعماء السياسيين، هاتفتني صديقتي مساء.  وقالت لي: ” تذكرت الحديث الذي دار بيننا في المقهى، و تذكرت ما قلته لي حول دور السياسيين و خطوطهم الحمراء و دفاعهم على القضايا الكبرى و استقرار المجتمع . أعتقد أني فهمت تماما ما كنت تقصدين. “

شاهد أيضاً

“آخر المعجزات” نص مفتوح

عبده حقي أتجول بين كروم الوجود المتشابكة، حيث تتشبث المعجزات بحواف الواقع مثل الندى على …