بقلم : مصطفى المريزق
لا يجادل أحد في كون مغرب اليوم يجتاز ظرفية تاريخية دقيقة جدا قد يكون عنوانها: حماية حصانة الدولة والمجتمع..
وإذا كان هذا العنوان في بعده السياسي والاجتماعي والحقوقي في حاجة للتفسير والأدلة، فإن محترفو التحاليل السياسية حسموا الأمر بوصفهم لبعض الأحداث الكبرى، التي تعيشها الساحة السياسة المغربية، ب” تعذيب سياسيي” يطال الأحزاب في بلادنا بشكل غير مسبوق في تاريخ المغرب المعاصر، دفاعا بشكل مأجور عن الطائفية وحشد الدعم لصالح مرتكبي “الجرائم السياسية” الذين حرموا الشعب المغربي من سيادة الحرية وإرساء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أوسع الفئات الاجتماعية، وتأمين الحق في الصحة والسكن والتعليم والشغل.دد
ولعل من أخطر ومن أشد ما يواجه مجتمعنا من توصيفات إعلامية يتم توظيفها في الحياة السياسية، تلك التي تحدثت عن “الحذاء الخشبي” وألصقته بشكل مذل للأحزاب السياسية المغربية، كاشفة عن الذخيرة الأصولية التي تمتلكها وتنهل منها.
هذه النازلة ذكرتنا بالقصة الشهيرة لامرأة من بني إسرائيل صاحبة الحذاء الخشبي كما رواها أحد صغار الصحابة، ويتم تداولها اليوم لتحقير المرأة وتحطيم إنسانيتها وشرعنة العداء ضد السامية، دون التفكير في نتائج وأبعاد حشو مثل هذه القصص في صراعنا مع من صادروا الإرادة الشعبية بالكذب والبهتان، واستغلوا الجهل والجوع للحيلولة دون تجاوز وضعية التأخر التاريخي والتخلف المجتمعي.
فبأي منهج يفكر مثل هؤلاء في الدولة والمجتمع؟
إن هدفنا من وراء التعرض لمثل هذه الوقائع التي تروج لها بعض الأقلام، هو محاولة للتأكيد على أن تراثنا الفكري والنضالي وتجاربنا السياسية تحتاج إلى حصانة فعلية، حتى لا نصبح من المتفرجين على من يحلو لهم اختزال التاريخ في قصص تهافت المهرولين للمناصب والمكاسب، والمتغاضين الساكتين عن الفساد.
ولعل المتأمل في النتائج الكارثية التي أودت إليها سياسات الإجهاز على المكتسبات الاجتماعية والحقوقية والنقابية التي ناضل من أجلها الشعب المغربي في فترات سابقة، ليقف اليوم على جسامة المهام المطروحة على عاتق القوى الديمقراطية والحداثية لمحاربة الفساد الإداري وكل الاختلالات التي تعاني منها الإدارة المغربية والمرافق العمومية.
ولأن صاحب قصة “الحذاء الخشبي” وإذلال الأحزاب السياسية لا يستطيع المجاهرة بمبادئه وقيمه المتنكرة للتعددية السياسية كمكسب تاريخي أنقذ المغرب من العديد من الويلات وجعل الدولة والمجتمع في خندق واحد حينما يتعلق الأمر بالطغيان الاستبدادي الظالم والمعادي للحريات، يلجأ إلى تبخيس دور الأحزاب السياسية كلما شعر بخطر نمو مقاومة النكوصية لإصلاح ما أفسدته الشعبوية.
لكن بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة التي تدفع مثل هذه الأبواق الداعية للفتن عبر اللغط والزعيق، يبقى من الضروري استحضار المشترك بين كل القوى الديمقراطية الحداثية دفاعا عن الحصانة الوطنية التي لا تقبل السمسرة والبيع والشراء، واحتراما للتعددية الحزبية من أجل تقوية مؤسساتنا حفاظا على وحدة الوطن واستقراره.
لقد اختار المغرب منذ الاستقلال الحرية كتعبير ديمقراطي يعبر عن آمال وطموحات المغاربة في التقدم وخدمة مصالح الوطن ورقيه، في جو من التنافس واختلافات في الرؤى بين مكونات المجتمع، رغم ما حصل من صراع وصدام وإهدار الجهد في المقاربات الأمنية ضدا على المقاربات التنموية.
لذلك، ظل النضال ضد كل أشكال الهيمنة والتسلط وعدم السماح بالوصول إلى ديكتاتورية الحكم والسلطة، نضالا مشروعا اتسم بالنزاهة والمصداقية وتقييم أداء المؤسسات والسياسات العمومية، والمشاركة في إيجاد الحلول وضرورتها في الحكم والمنهج الديمقراطي.
وعلى الرغم من أن الأّحزاب السياسية المغربية، فشلت في العديد من الامتحانات الديمقراطية، وتراجعت قوتها التأطيرية والتنظيمية، وتخلت عن دورها في الدفع بدمقرطة المجتمع إلى الأمام، وتجاهلت مطالب الحركات الاحتجاجية في أكثر من مناسبة، إلا أن دورها يبقى ضروريا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأي هجوم على شرعية وجودها، يعتبر ارتدادا وانحطاطا يجعل أنصاره متخلفين عن ركب المواطنة المشتركة كحاضنة للوحدة المؤمنة بالنقد والاختلاف من أجل الوحدة، ضد ثنائية “العقيدة والعنف” وتأويلاتها المساندة للتطرف والإرهاب بكل أشكاله.
أخيرا، وبعيدا عن أي رغبة في الانتقام من أي كان، تظل التجربة السياسية المغربية منذ مطلع الألفية الجديدة جديرة بالاحترام والتقدير، وتدعونا جميعا أن نختار بين الإبداع والتقويض، وبين خلق الفراغ وملء الحياة..لكن ، مهما يكن، لا يمكن الانتشاء بالتدمير