بقلم : وفاء قشبال
ربما أصول الكتابة غالبا ما تقتضي الانطلاق من التمهيد و التوطئة و تيسير الولوج الى صلب الموضوع و هو ما سأقفز عليه اليوم، ربما لاستعجالية الوضع و طبيعته الانفجارية من جهة أو ربما لتدافع الافكار وفورانها بداخلي من جهة اخرى ،و الاهم من هاته و تلك هو انتشار خبر “الحراك” و اسنمراريته منذ أشهر، فلا يحتمل الوضع أي توطئة في اعتقادي .
أولا وقبل كل شيء :
لا يختلف اثنان على أحقية كل فئة أو مجموعة من الناس في التظاهر و الاحتجاج ضد وضع قائم ينتقده الكل و يقبع فيه الجميع في الحضيض. و بالتالي فما أضحى يعرف منذ أزيد من 7 أشهر بحراك الريف، هو أمر مشروع ولا جدال فيه، و يكاد يجمع المغاربة على اختلاف مشاربهم على أحقية ساكنة الريف في الاحتجاج والخروج للشارع لإسماع صوت معاناتها و رفع مطالبها الاجتماعية والاقتصادية وعلى أجهزة الدولة أن تنطلق في تعاملها مع هاته الاحتجاجات من هذا المنطلق أي من منطلق أنه ممارسة مشروعة قانونية يكفلها دستور المملكة نفسه ، و أي منطلقات أخرى قد تقودنا (لا قدر الله) إلى منزلقات، المغرب و المنطقة المغاربية و إفريقيا برمتها في غنى عنها. باعتبار النزاعات و الحروب الأهلية التي تغرق إفريقيا جنوب الصحراء و باعتبار أيضا، أن هاته الأخيرة ترى في المغرب قائدا لقاطرة التنمية بالقارة و صلة الوصل بينها و بين القارة الأوربية ولذلك فالمواطنة و حب الوطن تقتضي التحلي بالحكمة والرزانة، وعدم المجازفة بموقع الريادة القارية ل “النموذج المغربي” وهنا لابد من فتح قوس للقول أن هذا المستجد في حد ذاته هو سبب مباشر في تفريخ المزيد من أعداء النموذج القيادي الذي أصبح يمثله المغرب على المستوى القاري ، أضف إليه ما اصطلح عليه “الاستثناء المغربي”على المستوى العربي.
كلمة حق :
وبالنظر إلى مشروعية التظاهر و الاحتجاج من جهة و نوعية المطالب الاجتماعية و الاقتصادية المرفوعة من جهة أخرى، و التي تعكس بجلاء افتقار مدينة الحسيمة لبعض المؤسسات الاستشفائية و غياب الجامعات ومعاناة شبابها من البطالة المتجدرة بالمنطقة… وللأمانة هاته الظواهر تكاد تقبع تحتها كل المناطق المغربية إذا ما استثنينا محور البيضاء الرباط القنيطرة . و ربما الضغط الذي يشهده المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا،وكذلك الأحياء الجامعية بالرباط تؤكد ذلك بالقطع. أما البطالة فحدث ولا حرج ، بل جيوش المعطلين المرابطة بشارع محمد الخامس بالرباط تتحدث عن نفسها.
ومع ذلك كلمة حق ينبغي أن تقال، فعندما يدشن الملك محمد السادس مشاريع اق و اج في إطار مخطط ضخم لتنمية الحسيمة تحديدا، ومنذ سنتين لا تزال كلها عبارة عن مجرد أوراش مفتوحة، أعتقد لابد لهاته الساكنة من الخروج للشارع وفضح المتلاعبين و المتورطين في إهمال تنزيل المشاريع التي أعطى انطلاقتها قمة البلاد ،في إطار برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة (2015- 2019 ـ على الأقل من وجهة نظر ساكنة الحسيمة نفسها ـ ولعمري كانت هاته هي النقطة التي أفاضت الكأس، خاصة بعدما عرف بقضية تاجر السمك محسن فكري الذي قتل طحنا داخل شاحنة لجمع النفايات خلال محاولته منع مصادرة أسماكه.
دروس و عبر :
ــ المطالب اجتماعية و اقتصادية مشروعة، و لا أحد يجرؤ على قول العكس.
ــ خروج ساكنة الحسيمة بنواحيها للشارع العام بانتظام وعلى مدى 7 أشهر، مؤشر حاسم على وجود جهات منظمة، كانت وراء التخطيط لهذا الحراك و تمويله، بمعنى آخر حراك الحسيمة بتنظيمه هذا، من المستحيل أن يكون أمرا عرضيا والسؤال الذي يهمنا هنا ، أين كانت أجهزة الدولة على تنوعها إلى أن تمكن هؤلاء النشطاء ومن وراءهم من تأطير و إخراج ساكنة الحسيمة للشارع؟؟؟
ــ أيضا استمرار الاحتجاجات حتى بعد اعتقال نشطاء الحراك هو دليل آخر على ما سبق.
ــ واعتبارا لما ذكر، أمام جهاز الدولة فرصة ثمينة من أجل إعادة تجديد أجهزتها و نخبها بمنطقة الريف خاصة وواقع الحال يعكس خروج الأمور من يد أعيان”ريافة” ممن يسيرون دواليب الجهة ككل وفي مقدمتهم إلياس العمري.
ــ تدني منسوب الثقــة بين الدولــة و المواطن، أصـبح يتـعذر معه الحوار بين الطرفين، فالدولة ترى في كل محتج تهديدا لأمن و استقرار البلاد، وكل الخطابات و البلاغات الرسمية محكوم عليها سلفا بنظرية المؤامرة و التلفيق من قبل المواطنين.
ــ على الدولة الرفع من المستوى الفكري و الثقافي للمواطن المغربي حتى لا يكون لقمة صائغة في يد دعاة التطرف كيفما كانت جنسيته أو نوعه.
ــ حذاري من العودة إلى التضييق على ممارسة الحريات العامة للمغاربة والريفيين على وجه الخصوص في معالجة هذا الملف.
ـــ ضرورة الضرب على أيدي أعداء وحدتنا الترابية الحقيقيين وعدم الاكتفاء بأكباش الفداء ” المدفوعين”
هذا إلى جانب إلزامية الجميع بالامتثال للقانون و احترام مؤسسة القضاء قبل الخروج ببلاغات أو بيانات إدانة “النشطاء” و اتهامهم.
وعليه، يبقى الحديث عن حقيقة المكائد التي تحاك ضد وحدتنا الترابية في “مطابخ الأحداث” لم و لن تكون مجرد أكاديب أو سيناريوهات من إبداع الدولة و أجهزتها. و العديد من المؤشرات و الدلائل تؤكد ذلك بالعام و المطلق. أما بخصوص حالة”حراك الريف” تحديدا، فرواية”الدولة” ــ المشكوك في صحتها سلفا ــ تأتي في مقابل رواية الشارع الريفي الذي يتشبث بأحقيته في التظاهر من أجل مطالب اجتماعية و اقتصادية صرفة. و بين الروايتين لا يمكن الترجيح ، فهاته الرواية الأخيرة تستند لقوة الدستور و لا اختلاف حولها، لكن أيضا العقل الراجح لا ينبغي أن يطمس الرواية الأولى ولا أن يصر على التشكيك فيها اعتباطيا، خاصة و انها تستند لدلائل ملموسة تم رصدها من قبل مؤسسات و أجهزة الدولة الوحيدة المتملكة لوسائل ضبط و رصد و استخراج كشوفات الأرصدة البنكية للمتهمين من نشطاء الحراك، و اتصالاتهم الهاتفية و عبر مواقع التواصل الاجتماعي و غيرها من بعض الحقائق التي تطفو على السطح (عن حسن أو عن سوء نية، ذاك يبث فيه القضاء)
إلى حدود ما يظهر و يتبدى لنا من معلومات و معطيات في انتظار تلك التي ستظل طي الكتمان و لن يكشف عنها إلا التاريخ، فالواضح أن المشكل العالق و الحقيقي و المستمر في الزمان هو “أزمة الثقة” بين المواطن المغربي و دولته بكل أجهزتها، لأسباب يعرفها الجميع، و إن لم تبادر الدولة إلى استزراع هاته الثقة من جديد، فسيجد دائما “أعداء وحدتنا الترابية” نفوسا تعاني من فراغ “هويتي و فكري ” يسهل تدجينها و تحريضها ضد مؤسسات البلاد رغم حب الوطن.