بقلم : حميد الرياني
الفنان”نبيل بدوري” شاب من شباب تازة، الذين أنعم عليهم الله بنعمة الإبداع، وحباهم بالقدرة على الرسم والتشكيل، لكن هذه النعمة لم تتم في مدينة أقل ما يمكن أن يقال عنها (إلى حد الساعة) أنها مقبرة المبدعين، حيث أنها تزخر بطاقات إبداعية (خارقة) في جميع المجالات وقد يرجع سبب ذلك إلى طبيعة المدينة (هادئة، خضراء، لها طبيعة جغرافية مميزة…) ومن الممكن أن نضيف أنها (قليلة الرواج، نادرة فرص العمل، مضغوطة)، هذا ما لاحظته صبيحة يوم الاثنين وأنا أتجول في أحد شوارعها (دراع اللوز)، فالتقيت الفنان التشكيلي المميز، وأصر على وصفه بهذا الوصف رغم أنني أعلم أن هناك بونا بين كلمة (مبدع) الذي لازال يتلمس طريقه في ميدان الفن، وبين (فنان) الذي يكون قد بلغ منه مبلغا كبيرا ومشهودا، لكنه وإن كان لازال شابا (مبتدأ كما وصفه إحدى الرموز في تازة)، إلا أنني وكما قلت سابقا أصر على كونه فنانا تشكيليا مميزا، وذلك لسببين اثنين: أولاهما أن لي كما غفيرا من المؤيدين من مدينتنا العزيزة، والذين أعلنوا محبتهم وإعجابهم الكبير بفنه الراقي، لكن قِصَرَ اليد يمنعهم من اقتناء لوحاته التي لا يتجاوز ثمنها في أحسن الظروف ( 200 درهم)، وهذه مصيبة أخرى، ستفتح الباب على مصراعيه للسبب الثاني الذي يبدي لنا جليا أن هذا (الفنان الإنسان الإنسان واا الإنسان أ عباد الله) يعاني الأمَرَّينْ في سبيل تشبثه بهذا (الدومين اللي ما عطاهش) كما وصفه لي متبرما، ويائسا بعد أن مر أحدهم تبدو عليه علامات –الثقافة- وسأل عن ثمن اللوحة الكبيرة ( اللي هازا عرام ديال الصباغة والتوب وليام دلخدمة) فوجده 150 درهم، فأجــاب بأسلوب يجمع بين اللوم والاتهام بالسذاجة وقليل من الشفقة (رخـــأص بزاف أولدي، والله إلا رخــاص) لم يستسغ صديقنا الفنان أسلوبه، لكنه، طبعا، ابتلع ريقه ليذهب الغصة، وأتم هدوئه المعهود، حتى في احتجاجه، قائلا لي ( إلا كانو رخاص علاش ما يشريش واش بقات فلهضرة)، مر شخص آخر وكرس سيناريو السؤال عن الثمن رغم لم يكلف نفسه عناء الثبات لبرهة أمام اللوحتين المضيئتين جمالا وإبداعا، وبعد إجابته، رد مذكرا (أنا لي جيت عندك ديك لمرا، كل مرا كنقول نجبليك ديك لعبار علا ود هاديك ..)،لعلها لافتة أو رسم لوجه وقد تكون –ولما لا- لوحة تحت الطلب فالفقر وقلة الحيلة والتعفف من طرق أبواب، قلما تٌفتح، يفرض الصبر على الشوك لإتمام الطريق، حاورته بوابل من الأسئلة النابعة من متحسر لحاله، وأنا الخبير بحاله لتعاملي معه في عدة محطات ابتدأت برواق مجموعة الإبداع الملتزم بكلية تازة حيث وجد (نسبيا) من يحس بمعاناته من الطلبة -أبناء الشعب- الذين لم يترددوا تحت إطار “مجموعة الإبداع الملتزم”، أن يجمعوا مساهمات تضامنية معه، لكنه، وكالعادة فاق كرمهم، بجوده وأهدى للمجموعة لوحة (أو لوحتين فقد خانتني الذاكرة) فيما يفوق قيمة مساهماتهم، وتعاملت معه أيضا في إطار جمعية الجسور للتنمية الاجتماعية، تضامن مع الجمعية بإثراء فضاء أمسيتها الإبداعية، المحتفلة بالمرأة، كرد جميل لها بعد أن حجزت له رواقا (بْلْكشَايف) داخل معرض المهرجان الوطني للزيتون في نسخته الأولى، وقد تَشَرَّف رواقه بزيارة لعامل -صاحب الجلالة نصره الله- على الإقليم السيد “عبد العالي السمطي” وأبدى إعجابه الكبير باللوحات المعروضة وخصوصا منها لوحة ذات تيمة وطنية، ومن أجل هذا أعلن لك أيها الفنان: “نبيل بدوري”، أننا ندين لك باعتذار، فقد يكون سبب غفلة المسؤولين عنك وعن حالك الكارثي، وأنت النموذج الصارخ لفناني تازة، بسبب غفلة الإعلام المحلي عنك، رغم أنك تظل (النهار وماطال)، عارضا لوحاتك وخدماتك الإبداعية، ولم تنطلق أعيننا نحوك، لنسأل ونتسائل عن الوضع وحيثياته، فنكون منبرا –مواطنا- لك ولأمثالك، لعل عين مسؤول تكون أكثر منا حرصا (نْتْمناو) على قضايا المواطن ومعاناته التي من المفترض أن تكون منابرنا مرآة عاكسة لها، أو لعل قلب رجل (والرجال قليل) يتحرك غيرة على مدينته وشبابها، ويتحرك بماله أو بنفوذه أو بشبكة علاقاته ليدعم لك معرضا أو يحجز لك مكانا بآخر؛ سيدي “نبيل بدوري” عهدناك قويا بهدوئك الذي يريب ويخلخل كل العواصف والدهور التي مرت عليك، ومن أجل ذلك، ونحن المستيقنين، من استمرارك على طريق الإبداع ومن أنك (مغاديش تقلب علا الدٌّومين)، لأنك فنان تتنفس الألوان برئة الخيال والجمال، ومن أجل هذا نعلن لك مجددا تحياتنا العالية، وتشبثنا بالتعريف بقضيتك (وإن أثار الأمر استهزاء أقلام العار المتسولين في محافل السياسيين)، من هنا بدأنا، وبهذا نعتقد أننا قد أثبتنا استحقاقك للقب الفنان التشكيلي المتميز.
شاهد أيضاً
بلشهب فنان اختار “رد الاعتبار” لمكنسة”الدوم” بالصور
حاورته : وفاء قشبال /بوزنيقة عبد الجبار بلشهب، فنان اختار إنصاف مادة”الدوم” وتثمينها، من خلال …