المجتمع المدني: الديمقراطية التشاركية … صلاحيات و إكراهات

بقلم : وفاء قشبال

تكمن الأهمية الكبرى للديمقراطية التشاركية في كونها حق دستوري صرف. حيث  ورد في دستور 2011  و تحديدا في الفصل الاول من الباب الاول المتعلق بالأحكام العامة جاء فيه ، أن النظام الدستوري للمملكة المغربية يقوم على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة ” ومن هذا المطلق فالمجتمع المغربي  أو على الاقل صناع القرار وبعض من الجمعيات المهتمة،على علم بهذا الحق الذي يعد واحدا من بين عدة مستجدات جاء بها دستور 2011.

غير أن العلم بالشيء ليس بالضرورة هو الاقتناع به و العمل على تفعيله و النجاح في بلورته، وهو واقع الحال ، إذ يكفي أن نؤكد انه منذ 6 سنوات مضت على إقرار مفهوم الديمقراطية المواطنة و التشاركية دستوريا ، لم يتم رفع سوى عريضة واحدة.

وهو واقع يساءلنا جميعا لماذا هذا الشح في بلورة هذا الحق الدستوري على مدى 6 سنوات ؟؟؟

قبل  الخوض في مناقشة الموضوع و محاولة الرد عن هذا السؤال الإشكال ،لابد من تحديد مفهوم ” الديقراطية التشاركية أولا .

كل الدراسات تتفق على تعريف “الديمقراطية التشاركية” بكونها  نظام  يمكن المواطنين  من المشاركة في صنع القرارات السياسية  المرتبطة بتدبير الشأن المحلي والوطني حسب الأولويات التي تناسبهم  كمواطنين معنيين بهاته السياسات ويتأثرون بها إن إيجابا أو سلبا. ولابد هنا من الإشارة إلى ان هذا النظام “الديمقراطية التشاركية” لا يمكن ان يتحقق إلا عن طريق التفاعل المباشر مع صناع القرار من مسيري الشأن العام  المحلي أو الوطني.

من هذا التعريف نخلص ّإلى ضرورة  توفر الآليات والوسائل الضرورية لممارسة هذا الحق الدستوري  سواء من طرف الجمعيات أو المواطنات و المواطنين العاديين . وعليه فقد جعل المشرع المغربي بيد المجتمع المدني آليتين دستوريتين هما :  ـ الملتمسات التي نص عليها الفصل 14  من الدستور و هي تختص بمجال التشريع

ـ العرائض التي نص عليها الفصل 15  من الدستور وتقدم للسلطات العمومية( رئيس الحكومة،رئيس مجلس النواب،رئيس مجلس المستشارين)

كما مكن (الفصل 139) المواطنات و المواطنين والجمعيات من المطالبة بإدراج  نقطة  في جدول أعمال  مجالس الجهات والجماعات الترابية  شريطة أن تكون ضمن اختصاصاتها .

بالإضافة إلى فتح المجال أمام الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وفي اطار الديمقراطية التشاركية ، للمشاركة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية وكذا تفعيلها وتقييمها.

إذن في ظل كل هاته الصلاحيات التي أضحى يتمتع بها المجتمع المدني بموجب دستور المملكة، نعود للرد عن السؤال الإشكال لماذا لا يمارس  المجتمع المدني حقه الدستوري ، و طيلة 6 سنوات لم تسجل سوى عريضة واحدة ، هل لأن المجتمع المدني لم يستغل هاته الآلية  تماما؟؟ أم يتم إسقاطها بسبب بطلان إحدى شروطها ؟؟؟

الجواب عن هاته التساؤلات يضعنا مباشرة أمام إكراهات تفعيل الديمقراطية التشاركية ، التي تجعلنا نحس و كأن المشرع منح  المجتمع المدني حقا بيد و سحبه منه باليد الأخرى بسبب الشروط  الصعبة التي وضعها من أجل صحة وقبول “العريضة” كوثيقة قانونية،وهو ما يجعل إلى حد الآن مأسسة الديمقراطية التشاركية  مجرد حبر على ورق .

1 شروط صحة العرائض (حسب القانون التنظيمي44.14) تتلخص في : صياغة العريضة و التوقيع عليها من طرف أصحابها شريطة أن يكونوا متمتعين بكامل حقوقهم  المدنية و السياسية و مقيدين في اللوائح الانتخابية العامة

ـ انتداب لجنة تقديم العريضة” تتكون من 9 أفراد تتخذ وكيلا عنها وتعقد اجتماعاتها وفق التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية.

ـ أن يتم دعم العريضة ب”لائحة دعم العريضة” تحمل اسماء هؤلاء الداعمين للعريضة و توقيعاتهم و ارقام بطائقهم الوطنية و عناوين إقامتهم.

الإكراه هنا في عدد مدعمي “العريضة” الذي حدد في القانون التنظيمي 44.14 المتعلق بشروط وكيفية ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية الصادر في 28 يوليوز 2016. (حدد العدد) في 5000 مدعم للعريضة يشترط فيهم أن يكونوا متمتعين بكامل حقوقهم  المدنية و السياسية و مقيدين في اللوائح الانتخابية العامة.

2 شروط وكيفية ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع  بموجب القانون التنظيمي  64.14 الصادر في28 يوليوز 2016 ، هي نفسها شروط تقديم العرائض بشكل عام، مع رفع عدد مدعمي الملتمس إلى 25 ألف مدعم .

اذن باطلاعنا على هاته الشروط/الاكراهات، يصبح واضحا لماذا لم يتم تسجيل سوى عريضة واحدة طيلة مدة 6 سنوات. و بالتالي فهاته الشروط  هي بمثابة إكراهات بالنسبة للمجتمع المدني الذي يعاني في ذاته من قلة الكفاءات،و الامكانات وكذا غياب التكوين في مجال الديمقراطية بالتحديد، وكذا  صعوبة الحصول على المعلومة، زد على ذلك انه غالبا ما يصطدم المجتمع المدني بعدم استعداد الجماعات الترابية و المجالس المنتخبة لضمان مشاركته  الفعلية في مشاريع التنمية المحلية  وعدم ترحيبها بذلك ،وهنا  يقف الفاعل الجعوي عاجزا اما مشكل حقيقي ألا وهو”عقلية الفاعل السياسي الذي أصبح يرى في الفاعل المدني منافسا له أو رقيبا يترصد له الأخطاء و الهفوات .

إن كان بالفعل الغرب الأوربي قد أحدث آلية الديمقراطية التشاركية لإيقاف سيل الانتقادات الموجهة للديمقراطية التمثيلية التي أضحت تسود و تسيطر كالأنظمة الديكتاتورية ، إلا أن الأمر لا يعني تصادم الفاعل السياسي بالفاعل المدني أو الجمعوي، لان الديمقراطية التشاركية في نهاية الأمر  هي آلية تمكن من المشاركة الفعلية للمواطنين في تدبير الشأن العام من جهة و تعزز الثقة بين جميع الفاعلين في المجال السياسي من جهة أخرى بما يمكن  من ترميم  الديمقراطية التمثيلية و تصحيح مسارها.

شاهد أيضاً

حاضرة أزمور تقاوم في صمت…

بقلم : وفاء قشبال قادتني الأقدار  الأسبوع  المنصرم للنزول بمسقط رأس الرحالة و المكتشف المغربي …