القائمقام والسلطان

بقلم: رفيق أكيز

وأنا أقرأ يوميات القائمقام أزداد إصرارا على رأيي في أن هذا الرجل مهووس بالحكم ويريد أن يحكم ولو بالوكالة وهو إذن القائمقام، يريد أن يحكم بعقلية تركية تحول الدار البيضاء إلى اسطنبول، وهو يحلم أن يصبح زعيما بعدما توارى سيده إلى الوراء.

وأعجب العجاب أنه وغيره من المريدين لا يريدون تصديق أن الربيع الموعود أزهر قبل الأوان، لأنها ليست الأمطار ولا الطَّل ولا الرداد ولا الغيوم التي بللت أراضي بابل والأهرام والحمامات وبرقة، ولكنها عواصف عاتية وقمطرير نزل على غير غرة، وسيول هدمت وجرفت واقتلعت وأقبرت، رحم الله زمن الدمشقي ومطبوعات “ماجد” وزيتونة القيروان.

صحيح أن هذه السيول أنبتت مكان خرابها ورودا وأشجارا جعلت من الاحتفال بها كسرا للخواطر والحلم، وتحولت الأزهار غلى عربون حقد ينبت يوميا في الأحشاء، إلى درجة أن القائمقام يبحث عن مصنع لإنتاج ورد من بقايا السيول ليوهم به العاشقين.

وصل الحقد به وبغيره إلى أنه رفض أن يموت (البشر)، وأصبح الموت وسيلة لتبرير الحقد وتبرير الكر والفر في معارك تخطئ العدو وتقتل في النفس مربع الخير.

يقوم القائمقام بحرب الدون كيشوط حيث يستل يوميا سيفه ليقتل البشارة والحياة والأمل بعبارات أقسى من الموت، ويصرف الحقد في اللبن ويدس السم في الدسم ويركب على جثة الصغير والكبير ليبرر ركوب صهوة الفرس ويقتل في المهد آلاف الأفكار، وهو يعيش ويركب ويتمتع من خيرات هذا البلد الذي زرعه ليس من ربيع السلطان أو القائمقام، وصدر هذا البلد أوسع من كل الصدور رغم احتراقه اليومي بالسب وباللمز وبالنفخ، ولكنها مع ذلك لا تدور، ولكن تضيء ونحن نؤكد أنه مع ذلك تضيء.

عندما ينهار كل شيء فلن نحتاج لجنازة أحد ولا لعويل القائمقام ولا لمن تقرع الأجراس لأننا سنكون عاجزين وسيقتلنا الغراب.

 

شاهد أيضاً

“آخر المعجزات” نص مفتوح

عبده حقي أتجول بين كروم الوجود المتشابكة، حيث تتشبث المعجزات بحواف الواقع مثل الندى على …