الأمازيغية وعودة القناديل البرّية

بقلم: لحسن أمقران

 

مع عودة حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد تصدّره للانتخابات البرلمانية اﻷخيرة، أضحى من شبه المؤكّد أن مسلسل تقتيل اﻷمازيغية ووأدها سيستمر، وربما بوتيرة أسرع وحدّة أكبر، ذلك أن الحزب معروف عداؤه للأمازيغية وبالتالي سيواصل تنفيذ وعيده، واﻻنتقام من ترسيم اﻷمازيغية ضدّا على إرادته النزوية وقناعاته المتحجّرة، وذلك بمزيد من النكوص والتراجعات عبر نصوص قانونية ومذكرات قطاعية ينتظر أن تستصدر في وقتها.

لقد عرفت الحكومة المنتهية وﻻيتها متى وكيف تخرج على المغاربة بقانونين تنظيمين مبتورين، وضعتهما دون استشارة ذوي اﻻختصاص من علماء اللغة واﻻهتمام، خصوصا من الفاعلين في حقل اﻷمازيغية وناشطيه، قانونان يبيّتان رغبة أكيدة في طمس ما تبقى من اللغة اﻷمازيغية في أفق اندثارها وفق استراتيجية تعتمد وتتعمّد اﻻنتظارية لتجميد كل المطالب بشكل سلمي وسلس وبغير قليل من المكر اﻷيديولوجي والدهاء السياسي.

لقد كان القانونان التنظيميان إذا، وسيظلان، وصمة عار على حكومة عقد عليها المغاربة آمال التغيير بعد مرحلة خلناها ربيعا ديمقراطيا ليتضح بعدها أنها مجرد سحابة أوهمنا أنفسنا أنها مفتاح غيث مفقود، وكي نكون منصفين، فالحكومة ليست وحدها من تتحمّل وزر هذه المجزرة الديمقراطية، فالدولة المغربية بكل مؤسساتها وأجهزتها من عاليها إلى سافلها، حكومية وغير حكومية، لها نصيبها اﻷوفر من هذا الجرم الحقوقي في حق المغاربة.

.ندرك جيدا قوانين اللعبة السياسية، كما ﻻ يخفى علينا كون المشهد السياسي المغربي سقيما يفتقر إلى أدنى شروط المسؤولية والحرية في القرار، فاﻷحزاب المغربية مجرّد مساحيق تزيّن واجهة متجعدة وقبيحة، وكنا ننتظر مراجعة خلاصة ما انتهت إليه الحكومة بقيادة المصباح من طرف جهات عليا لتدارك الهفوات التي خلقها هذا اﻻصطفاف اﻷيديولوجي، المعلن والمضمر على السواء، لكن شيئا من ذلك لم يتم، رغم مراسلة النسيج الجمعوي اﻷمازيغي للقصر الملكي بخصوص ما يحاك ضد اﻷمازيغية من جانب الحكومة.

إن القضية اﻷمازيغية ليست ترفا نضاليا وﻻ مؤامرة كما تتصوّرها وتصوّرها بعض اﻷطراف، كما أنها ليست قضية لسان فحسب، القضية اﻷمازيغية دود ودفاع عن هويّة أرض تستباح من طرف تيارات اجتثاثية وشمولية فكرا ومافيا عقارية تملّكا، دود ودفاع عن كرامة إنسان تنكّرت له سياسات ما بعد اﻻستقلال الشكلي، ليتذوّق مرارة الغربة في عقر داره والدوس على كرامته، دون أن نغفل سعيها إلى إنصاف الثقافة واللغة الأمازيغية في إطار عدالة ثقافية ولغوية تنتصر لواقع المغرب المتنوع.

لقد أبانت التيارات الفكرية والايديولوجية المغربية عن فصام هويّاتي وتشبّث مرضي بأطروحات متجاوزة، بل اﻷنكى من ذلك تنكّرها لصوت شريحة مهمّة من المواطنين وتجاهل مطالبهم وحقوقهم، إن الموضوعية والمصداقية تقتضي تبني المطالب اﻷمازيغية مهما بلغت شدة الخصومة اﻷيديولوجية بالنظر إلى شرعيتها ومشروعيّتها. وهنا أيضا، يتعين على الفاعلين اﻷمازيغ الانخراط الفعلي في كل إطارات المجتمع المدني بكل أطيافها، وكسر جدار الانزواء وتحطيم أسوار الغيتو، لكون ذلك سيفرض القضية اﻷمازيغية لتكون موضوع نقاش داخل هذه اﻹطارات التي تتملص من مسؤولياتها تجاه الأمازيغية لسبب من الأسباب.

إن عودة حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في البلاد، تفرض على النسيج الجمعوي اﻷمازيغي تغليب مصلحة اﻷمازيغية وتجاوز كل الصراعات الشخصية، والتفكير في خلق إطار قطري يكون بمثابة مجلس وطني أو مؤتمر عام، يوحّد الصّف اﻷمازيغي وبقيادة جماعية لفاعلين تتوفر فيهم الكاريزما والمصداقية، إن موقف حزب المصباح واضح ومعلن، وهو اليوم يستقوي بأصوات المغاربة ممّن شاركوا في انتخابات البرلمان دون تدقيق موضوعي في عددهم وﻻ طبيعتهم، والحال هذه، يجب التحلي بجرأة أكبر لفرض الصوت اﻷمازيغي في النقاش العمومي، وهنا يجب إحياء سنة التظاهر والوقفات واﻻعتصامات – في احترام تام للنصوص القانونية المعمول بها-، وكذا فتح قنوات التواصل مع المؤسسات بشكل كثيف ومكثّف، بل والعمل على تدويل القضية والتعريف بها أكثر في المحافل الحقوقية الدولية .

إن الحركة اﻷمازيغية مدعوّة أكثر من أيّ وقت مضى إلى الارتواء أكثر من منابع العلوم القانونية والسياسية الدولية، واﻹقبال بنهم على العلوم الانسانية بشتى أصنافها بشكل يمكنها من امتلاك خطاب مرافعاتي قوي وبلاغة إقناعية دقيقة، مع استثمار كل ذلك في تأطير أفواج الشباب المتزايدة التي تحركها العاطفة أكثر من اقتناع مسؤول وإحاطة علمية بالقضية. إن معركة التغيير تقتضي منا وقفة تأمل وقراءة نقدية موضوعية، فالتوجه السلفي –ليس بالمفهوم الفقهي-  لمن يحكمون في بلدنا لن يستسلم بسهولة أمام خطاب حداثي جريء يهدد كيانه الأيديولوجي، مما يجعل “المواجهة” حتمية ﻻ مناص منها، مواجهة ﻻ مكان فيها لخطاب القوة بل لقوة الخطاب .

بعد الانتخابات التشريعية إذا، وعودة ألذ أعداء القضية الأمازيغية إلى السلطة، يفترض أن نسائل أنفسنا: من نكون وماذا نريد؟؟؟ إن الدروس التي يجب أن نستخلصها من العملية الانتخابية هي ضرورة توحيد الصف والبحث عن نقاط التلاقي بين كل الأطياف الأمازيغية بغية جعل الصوت الأمازيغي حاسما ووازنا في العملية الانتخابية، ثمّ إن التعامل الذكي مع الظروف والوقائع يفرض نفسه، وقد أصبح من شبه المؤكّد أن التغيير من وراء أسوار الجامعة أو من الشارع يستحيل في مجتمع عانى من سنوات الرصاص وﻻ يزال يعاني من اﻷمية بكل أشكالها، ويظل موقف المقاطعة والعزوف عن الفعل السياسي اختيارا -حسب تقديرنا- غير موفّق، فهذا اﻻختيار بالذات هو من أوصل خصومنا إلى مراكز القرار ليعبثوا بحقوقنا ويتنكروا لمطالبنا، إننا في مرحلة مفصلية لم يعد فيها القرار بيد مؤسّسة بعينها، وأصبحنا أمام خصوم حقيقيين وآخرين متخفّين إلى جانب متوهّمين، وضع يفرض الولوج إلى المؤسسات الحاكمة رهانا راهنيا، ولو تكتيكيا للتمكّن من آليات السلطة والتحكم ولو نسبيا لوقف الزحف الأمازيغوفوبي.

شاهد أيضاً

“آخر المعجزات” نص مفتوح

عبده حقي أتجول بين كروم الوجود المتشابكة، حيث تتشبث المعجزات بحواف الواقع مثل الندى على …