إقحام العامية في اللغة العربية… استنصار بريء للهوية ؟!!!!!!!!

بقلم : وفاء قشبال

 

ـ إقحام الدارجة في اللغة العربية هو حديث الساعة  بالنسبة لكل المغاربة منذ أسابيع، وهو عنوان تصدر الصحف العربية وأعدت حوله ربورطاجات “بكبريات القنوات الفضائية، ذكرني الأمر  بفضيحة “أكبر كراطة” .

وبالكتابة في هذا “المصاب الجلل ” في لغتنا وفي مناهجنا التربوية ـ وهو الموضوع الذي أسال مداد أقلام كثيرة إن على المستوى الافتراضي  أو الواقعي و الأكاديمي  ـ ليس فقط  جذبا ، و لا ملهاة عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها منظومتنا التعليمية في شموليتها، بدء من المقررات ، البنية التحتية، التلميذ ، المعلم ، الأسرة و المنظومة ككل . فالجميع  أصبح يعي أن المشكل أكبرو أعمق من مجرد بضعة كلمات عامية تعكر صفو “اللغة العربية” . غير ان المصاب جلل كما أسلفت ، لأنه لم نعد نطمئن لهاته المناهج “التربوية”  بشكل عام و لا إلى  القيم التي يراد أن تغرسها في أبناء هذا الوطن؟ وأية هوية تحاك لهم ؟  فأضحى الوضع مستفزا للغاية  داعيا  للكتابة والتهليل (اللهم إن هذا منكر) ، لاعتبارات عدة، أولاها : التخوف من التأصيل  للظاهرة.  وبهذا الخصوص ،الوزارة تقول في بلاغ لها حول الموضوع ” أن الأمر يتعلق فقط بثماني كلمات في كتاب مدرسي من 150 صفحة يحتوي على أزيد من 8000 كلمة”  ونحن نقول  الخوف  كل الخوف من أن نفتح بابا يعسر سده في مستقبل الأيام،  في حين الفكرة كلها غير ذات قيمة علمية تذكر و غير مضمونة النتائج في مستقبل السنوات . وأخشى أن استسهال إقحام بضعة كلمات عامية في نصوص اللغة العربية،سيفتح الباب على مصراعيه لدخول أخرى .

ثانيا  مقتطف ورد في بلاغ للوزارة كانت قد أصدرته، بخصوص بعض الطبعات الجديدة لكتب مدرسية خاصة بالسلك الابتدائي،يقول “المدرسة يجب أن تصبح حاملة للثقافة وناقلة لها في الوقت نفسه، وأن تضطلع بدورها في النقل الثقافي “، وكذا على “إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة في ترسيخ الهوية؛ والانفتاح الكوني؛ واكتساب المعارف والكفايات والثقافة؛ والارتقاء بالبحث؛ وتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي”.
مبدئيا من أوجب على المدرسة” أن تصبح حاملة للثقافة وناقلة لها في الوقت نفسه، وأن تضطلع بدورها في النقل الثقافي ” ؟؟؟  وإن كان  ولابد ، ربما عبر إدراج مقاطع من نصوص لمثقفين مغاربة ،  أو نصوص  تناولت الثقافة المغربية كموضوع لها…لا أن نقحم في العربية الدارجة(هادي العجينة هادي) ، الأمر و الأنكى هو أن  واقع حال مجتمعنا لا يمكن أن يحمل المدرسة هاته المسئولية، ولازالت نسبة الأمية مرتفعة ببلادنا (32 بالمائة حسب الإحصاء العام للسكان و السكنى لـ2014)، أيضا لازلنا في مرحلة تكوين مواطن  متعلم صالح،  يستطيع فقط ولوج سوق الشغل في أفضل الأحوال، فعن أي نقل للثقافة يتحدثون ؟؟؟  ثقافة الفقر و التفقير، ثقافة الشجار و التطاحن، ثقافة التفكك الأسري أم ثقافة الكسكس و البغرير ـ عيب ـ   ربما  نتحدث عن ذلك، عندما نصل مرحلة تكوين مواطنين مثقفين قادرين على إنتاج و بلورة ثقافة في معيشهم اليومي تكون ذات جودة وحمولة، آنذاك يمكن الحديث عن مدرسة ناقلة للثقافة الداخلية.  وحتى في ذاك الزمان لا ينبغي التطاول على اللغة العربية،لأنه  لا يوجد بها ما يمنع نقل ثقافاتنا من خلالها.

وأشارت الوزارة أيضا إلى “أن اعتماد مفردات مستقاة من الثقافة المغربية يجد تبريره في المنطلقات البيداغوجية الخاصة بالنص موضوع النقاش، الذي يصف حفل عقيقة يفرض الاحتفال به ارتداء أعضاء الأسرة لباسا مغربيا أصيلا وتناول حلويات مغربية”           فنقول صحيح  أن اختيار نصوص و مواضيع مستقاة من المحيط و الوسط المعاش فعلا يخلق ذاك الارتباط بين الكتاب المدرسي و محيط المتعلم و بيئته القريبة ، إنما  السؤال  هنا ، ما الضرر إن كان وصف احتفال مغربي صرف(العقيقة) باللغة العربية الفصحى؟؟؟ لأنها حصة  للغة العربية أولا، وعلى الطفل أن يتمكن من قراءتها و فهمها ثانيا . أما بخصوص اللباس والحلويات المغربية  فمنذ زمن تكتب بين مزدوجتين  و لا ضير في ذلك ،فما الذي استجد  إذن؟ وإلى ماذا  تخططون ؟؟؟  بل وما القيمة العلمية و الإدراكية التي  يحققها  استعمال أسماء أكلات أو ألبسة  بـ”الدارجة ” ضمن نص قرائي وظيفي ؟؟  بالتأكيد لا قيمة في ذلك  لأن الطفل يعرف الأكلات و الألبسة و غيرها ببيته و داخل أسرته فهو تحصيل حاصل، و دور المدرسة  الرفيع هو  توسيع معارف الطفل وإغناء مداركه  بالجديد، لا تكريس مصطلحات و مفاهيم يحملها معه أصلا . و المطلوب في المدرسة أن تنفتح على المزيد من العلوم و اللغات و الثقافات الأخرى  لا أن تضع نقطة انطلاقة باتجاه العودة إلى التقوقع داخل ثقافة  محلية داخلية . والطامة الكبرى أننا نرفع شعار “الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية و التكوين ” هل تسريب “الدارجة” ضمن نصوص اللغة العربية ، هو عمق الرؤية الاستراتيجية  التي ابتكرها فقهاء المجال العلمي و الديدكتيكي؟؟؟

وعن إقحام الدارجة” في حصة”اللغة العربية” بحجة ترسيخ الهوية و نقل الثقافة ، و تضمين الكتاب المدرسي موضوعات أسرية و بيئية و طنية ، فهو  باطل اريد به حق. و الحق و لا حق غيره هو إما أن ندرس و ندرس اللغة العربية  ببلادنا و إما أن نلغيها  صراحة  و”كفى المؤمنين قتالا” .  وحيث أنه لكل لغة قواعدها و حرمتها التي ينبغي ألا تنتهك ،كذلك اللغة العربية لها قواعدها و ضوابطها و حرمتها التي لا ينبغي المساس بها حتى إن ادعى البعض أنه بهدف “الاستنصار للهوية المغربية” ، فهو “عذر أقبح من ذنب” و المضحك في الامر أنه يراد ترسيخ الهوية  و الثقافة المغربيتين من خلال إدخال “العامية” باللغة العربية و لم يفكر أحد في ترسيخهما  من خلال إدخال بعض الكلمات ضمن نصوص  وظيفية باللغة  الفرنسية حتى من باب تبسيط تلقين  هاته اللغة الأجنبية ؟

ويبدو أنه من شرح الواضحات القول أن الاستنصار للهوية المغربية  ليس في الاستنصار للعامية أو اللباس و البغرير… لأن مفهوم الهوية أكبر من ذلك بكثير

ـ وحتى إن كانت النية خالصة لله ـ و الاكيد  لا ـ في الاستنصار للهوية المغربية بما فيها اللهجة  السائدة، فليتم إحداث هيئة لتطويرها ،ولما لا تدرس كمادة مستقلة ، دون المساس بحرمة اللغة العربية . وعلينا  حينها أن نكون مستعدين إلى النعرة الجغرافية التي سيشتعل فتيلها و تبدأ تغدي الكراهية و التنافر بين أبناء المناطق و الجهات فيبدأ المراكشي يطالب بتدريس لهجته، وكذلك الفاسي و الوجدي و هكذا ، لأننا أمام “دارجات” في واقع الامر  وليست دارجة واحدة  موحدة. ومن هذا المنطلق  فأهمية احترامنا للغة العربية و تقديرها ليس فقط في المبرر الذي يراه البعض خطابا عاطفيا  ذاك الذي يقول ،أن رفعة اللغة العربية تكتسيها من كونها لغة القران الكريم ـ وإن كانت هاته حقيقة لا جدال فيها ـ و إنما  رفعتها أيضا في تجميعنا و توحيد صفوفنا كشعب واحد، وليس من الحكمة في شيء أن نترك ما يجمعنا إلى ما يفرقنا ويشتت وحدتنا ، لا على المستوى الداخلي و لا على المستوى الخارجي/ العربي. ولعل ما يستفز العقول النيرة للتصدي إلى هذا الإجراء ليس كما يراه “فقهاء الكتاب المدرسي” مجرد بضعة كلمات ليس إلا ، بل بسبب الأبعاد “الصهيونية” التي كانت و لا تزال تتطلع إلى تشتيت رقعة العالم العربي من خلال حملاتها التنصيرية  التهويدية المعلنة و الخفية و عبر تمييع الحقوق الإنسانية وصولا إلى ضرب اللغة العربية باعتبارها أحد أبرز مكونات الهوية العربية الإسلامية .

=وختاما ، فالتخوف من إنجاح مخطط التفسخ اللغوي بأيادي مغربية ، والتخوف  أيضا من فقدان الهوية الوطنية المنسجمة بتعدد جذورها( العربية،الامازيغية، الأندلسية و الإفريقية..) أما  اللغة العربية فمن عهد لجلال ذاته أن يحفظ القران قادر على أن يحفظ لغته ” إنا أنزلنا الذكر و أنا له لحافظون”

 

شاهد أيضاً

تزايد نسبة الأسر التي تعيلها النساء أمام تراجع نسب الأمية …

كبيطال بريسكشف الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 عن حقيقة ارتفاع نسبة الأسر التي تعيلها …